دورية لفتيت تضع استغلال المشاريع التنموية في قلب الجدل قبيل الانتخابات

في توقيت سياسي دقيق يسبق الانتخابات التشريعية لعام 2026، أثارت دورية وجّهها عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، إلى الولاة والعمال نقاشا واسعا حول العلاقة بين التنمية وبين الممارسة السياسية. الدورية، التي تدعو إلى إطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية المندمجة، حملت تحذيرا صريحا من أي “استغلال محتمل” لهذه المشاريع لأغراض انتخابية ضيقة؛ مما فتح الباب أمام تحليلات متباينة حول أهدافها وتأثيرها على المشهد السياسي.

وشددت الدورية على ضرورة الشروع الفوري في إطلاق مشاورات واسعة مع كافة الفاعلين المحليين لاعتماد نهج تشاركي يهدف إلى تقليص الفوارق المجالية وتعزيز العدالة الاجتماعية؛ لكن الإشارة الواضحة إلى السياق الانتخابي المقبل كانت النقطة التي استقطبت اهتمام المحللين، بين من يراها خطوة ضرورية لضمان حياد الإدارة وحماية المشاريع من المزايدات السياسية وبين من يعتبرها تضييقا على الدور الطبيعي للمنتخبين وتكريسا لصورة نمطية سلبية عنهم.

إعلان دورية لفتيت تضع استغلال المشاريع التنموية في قلب الجدل قبيل الانتخابات

رشيد لزرق، المحلل السياسي ورئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات، سجل أن هذه الخطوة تندرج في إطار حرص ملكي على تحقيق العدالة المجالية، خاصة أن العديد من المشاريع ستنطلق في فترة حساسة تتزامن مع الإعداد للانتخابات.

وأوضح لزرق، ضمن تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن السياق الحالي يختلف عن المحطات السابقة، حيث لم يُعهد الإشراف السياسي على الاستعداد للانتخابات لرئيس الحكومة.

وأضاف المحلل السياسي ورئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات: “الجهة المؤتمنة على هذه العملية هي وزارة الداخلية باعتبارها وزارة محايدة سياسيا، بما يضمن أن تكون الانتخابات المقبلة بعيدة عن أي استغلال سياسي أو انتخابي للمشاريع التنموية”.

واعتبر لزرق أن هذا الحرص يأتي “مخافة أن تتحول تلك المشاريع إلى وسيلة لتوظيفها انتخابيا كما حدث في سنة 2006″، مؤكدا أن “مشروع العدالة المجالية هو مشروع دولة يهدف إلى تحقيق الإنصاف، بعيدا عن أي مزايدات حزبية لا تخدم المصلحة العليا للبلاد”.

في المقابل، قدّم حفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية، قراءة مختلفة، إذ قال إنه من الصعب منع الفاعل السياسي من توظيف هذه المشاريع في خطابه.

وأوضح اليونسي، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن هذه البرامج هي تجميع لمشاريع قطاعية مختلفة ذات تأثير مباشر على حياة الناس، ومن الطبيعي أن يسعى المنتخب إلى نسب الفضل فيها إلى نفسه.

وتساءل المتخصص في العلوم السياسية: “كيف يمكن منع ذلك ما دام أن الأمر يتعلق بخطاب سياسي؟”، معتبرا أن “الأصل في المنتخب أن يبحث عن إقناع كتلة ناخبة للتصويت عليه مرة أخرى من خلال المشاريع أو الخدمات التي ينجزها لفائدتهم”.

ولمّح المتحدث عينه إلى أن خطاب وزير الداخلية قد يُفهم منه “إدانة للسياسيين والمنتخبين وتسويق صورة سلبية ونمطية عنهم يغلب عليها الطابع الشعبوي”.

من جانبه، قدم عبد العزيز القراقي، الباحث في العلوم السياسية، رؤية أكثر توازنا، معتبرا أن خطاب “الاستغلال الانتخابي” قد يجانب الصواب في بعض جوانبه.

وأبرز القراقي، في تصريح لجريدة النهار، أن تقديم الحصيلة التنموية للناخبين هو جزء أصيل من الممارسة الديمقراطية.

وسجل الباحث في العلوم السياسية: “المجالس المنتخبة، حين تتقدم لولاية ثانية، تقدم حصيلتها التنموية أمام الناخبين لتكون موضوعا للمحاسبة الانتخابية. لا يمكن اعتبار تقديم هذه المنجزات استغلالا بالمعنى السلبي، بل هو جزء من الممارسة الديمقراطية الطبيعية”.

وأضاف المتحدث عينه أن المشاريع التنموية الكبرى لا تُطلق في السنة الأخيرة من الولاية، بل تمتد لسنوات، كما أن الإنفاق العمومي يخضع لرقابة قانونية صارمة تمنع استغراقه في الحملات الانتخابية.

ودعا القراقي الأحزاب السياسية إلى التركيز على تقديم برامج تنموية كجوهر لتعاقدها مع المواطنين، بدلا من النظر إلى إنجازاتها كوسيلة استغلال.

يبقى أن الاختبار الحقيقي لهذه الدورية سيكون على أرض الواقع، لمعرفة ما إذا كانت ستؤسس فعلا لجيل جديد من التنمية المحايدة والمستدامة، أم أن منطق السياسة والانتخابات سيفرض نفسه مع اقتراب موعد 2026.

زر الذهاب إلى الأعلى