
هل ينجح سايلور في تحويل البيتكوين إلى رافعة لتمويل 100 مليار دولار؟
في مشهد غير مألوف من تاريخ التمويل المعاصر، يمضي مايكل سايلور، رئيس شركة “ستراتيجي”، قدمًا في واحد من أكثر الرهانات المالية طموحًا وإثارة للجدل في عالم الشركات. فبينما تعتمد أغلب الشركات على التمويل البنكي أو طرح الأسهم والسندات لتمويل أنشطتها، يسعى سايلور إلى قلب المعادلة: تحويل عملة رقمية لا تُنتج دخلًا – هي البيتكوين – إلى رافعة مالية يمكن من خلالها جمع تمويل قد يتجاوز 100 مليار دولار.
تستند هذه الاستراتيجية إلى مبدأ “الرافعة المالية”، وهو استخدام أصل موجود كضمان للحصول على تمويل أكبر دون التخلّي عن الأصل نفسه. في الحالة التقليدية، تكون هذه الأصول عبارة عن عقارات، أو سندات حكومية، أو تدفقات نقدية مستقرة. لكن سايلور يضع الرهان على البيتكوين، رغم تقلباته، ليكون هو ذلك الأصل.
ولتحقيق هذه الرؤية، شرعت شركة “ستراتيجي” في إصدار أدوات مالية خاصة تُعرف بـ”الأسهم المفضّلة الدائمة”، كان أبرزها إصدار أُطلق عليه اسم “Stretch”، وهو منتج مالي جديد يقدّمه سايلور كحل وسط بين الأسهم العادية والسندات، إذ يتيح للمستثمرين الحصول على عوائد دورية (قد تُدفع نقدًا أو في شكل أسهم)، لكن دون أن يمنحهم حقوق تصويت أو تاريخ استحقاق تُجبَر فيه الشركة على إعادة رأس المال.
وقد جمعت الشركة، حتى منتصف عام 2025، أكثر من 6 مليارات دولار من هذه الإصدارات، مع خطط لتوسيعها بهدف الوصول إلى تمويل يتجاوز 100 مليار دولار خلال السنوات المقبلة. وتُعد هذه الخطوة تحولًا في فهم التمويل المؤسسي، إذ تتحول الأصول الرقمية، التي لم تكن تُعتبر ذات يوم سوى أدوات مضاربة، إلى أدوات تُستخدم في بناء بنية مالية مستدامة.
لكن هذا الطموح الكبير ليس خاليًا من المخاطر. فالتوزيعات التي تقدمها هذه الأسهم تتراوح بين 8 بالمائة و10 بالمائة سنويًا، وهي نسبة مرتفعة مقارنةً بسندات الشركات التقليدية. كما أن هذه الأوراق لا تُلزم الشركة بالدفع في حال تراجع الإيرادات أو انخفاض السيولة، مما يجعلها جذابة للإدارة، لكنها محفوفة بعدم اليقين للمستثمرين.
في مقابلاته وتصريحاته، يقدّم سايلور نفسه كمبشّر اقتصادي بنموذج جديد يدمج بين الإيمان التكنولوجي والانضباط المالي. يقول: “البيتكوين هو أصل عالمي، نادر، محمي ضد التضخم، ويمكن البناء عليه كبنية تمويل لا تتآكل بمرور الزمن”. وبناءً على ذلك، يرى في تمويل شركته بهذه الطريقة وسيلة لتوسيع ملكيتها من البيتكوين دون بيع أي حصة منه أو الوقوع في فخ الديون المكلفة.
ويستفيد سايلور أيضًا مما يُعرف في السوق بـ”علاوة صافي القيمة الدفترية”، وهي الفارق بين سعر سهم شركته في السوق وقيمة البيتكوين التي تمتلكها. هذه العلاوة تسمح له بجمع أموال جديدة عند تقييم مرتفع نسبيًا، ثم إعادة استثمارها في شراء بيتكوين إضافي، مما يضاعف مركز شركته دون المساس بالرصيد الأساسي.
ويعتبر البعض هذا النهج عبقريًا في بيئة رقمية متغيرة، فيما يراه آخرون مغامرة مفرطة. فالبيتكوين يظل أصلًا غير منتج للدخل، وقد خسر أكثر من نصف قيمته في أوقات سابقة خلال فترات وجيزة.
كما أن شغف سايلور المعلن بعدم بيع أي من أرصدته، حتى في الأزمات، يجعل مرونة الشركة في مواجهة تقلبات السوق محدودة. وقد وصفه المستثمر الشهير جيم تشانوس مؤخرًا بأنه يبني “نموذجًا إيمانيًا” لا اقتصاديًا، معتبرًا أن هذه الأدوات تشكّل عبئًا مستقبليًا يصعب تحمّله إذا فقدت السوق ثقتها في الرواية المحيطة بالبيتكوين.
رغم ذلك ترى وكالة “بلومبرغ” أن ما يفعله سايلور يعد أحد أبرز مظاهر التحوّل في التمويل المعاصر، إذ يُعيد تعريف العلاقة بين الأصول الرقمية والمؤسسات. فهو لا يستخدم البيتكوين كمجرد ملاذ آمن أو أداة استثمارية، بل يبنيه كأساس لنموذج تمويلي متكامل، يتجاوز البنوك التقليدية، ويخلق بيئة تمويل جديدة يمكن أن تُعيد تشكيل فهم الأسواق لمفهوم الضمان والائتمان.