
رسوم محتملة على سبائك الذهب تُشعل الحرب التجارية بين أمريكا وسويسرا
دخلت أسواق الذهب العالمية في حالة اضطراب حاد، الجمعة الماضي، بعد أن تسرّبت أنباء عن قرار مبدئي لهيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية يقضي بفرض رسوم جمركية على واردات سبائك الذهب، في خطوة هزّت أحد أكثر أسواق المعادن الثمينة استقراراً في العالم. القرار، الذي أُبلغت به شركة تكرير سويسرية في 31 يوليو الماضي، وكُشف عنه علناً يوم الجمعة، دفع أسعار العقود الآجلة للذهب في نيويورك إلى مستوى قياسي قبل أن تتراجع سريعاً عقب تلميحات من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى أن واردات الذهب لن تخضع للرسوم في النهاية.
وبحسب تقرير لـ”بلومبرغ” فإن مجرد الإعلان عن الرسوم المحتملة كاد أن يشلّ منظومة تجارة الذهب، التي تعتمد على شبكة دقيقة من البنوك والمصافي وشركات الشحن لنقل السبائك بين المراكز المالية الكبرى – من لندن ونيويورك إلى دبي ومومباي وهونغ كونغ – سعياً وراء أفضل الأسعار. ويؤكد خبراء أن فرض رسوم على الذهب، الذي يُعامل عادة كأداة مالية أكثر منه سلعة مادية، كان سيُحدث تداعيات عميقة على السوق، تصل إلى تهديد أسواق العقود الآجلة في نيويورك نفسها.
وقال روس نورمان، الخبير المخضرم في القطاع، إن “المشكلة لا تقتصر على مليارات الدولارات التي جرى تحقيقها أو خسارتها بين ليلة وضحاها، بل تكمن في أننا لسنا في وضع جيد عند حدوث اضطراب؛ فعندما تنفجر الأمور تكون الإصابات كثيرة”. وقد انعكس الارتباك فوراً على فروق الأسعار بين بورصة كومكس في نيويورك والسعر المرجعي في لندن، حيث تجاوز الفارق 100 دولار للأونصة، وهو مستوى قياسي لا يغطي حتى كلفة الرسوم المفترضة.
وتأثير الصدمة لم يقتصر على الأسواق العالمية، بل امتد إلى الداخل السويسري، حيث تفجّر جدل سياسي واسع، وفق ما ذكرته “فايننشال تايمز”. فسويسرا، التي تُعد أكبر مركز لتكرير الذهب في العالم رغم عدم امتلاكها مناجم، صدّرت إلى الولايات المتحدة ذهباً بقيمة 61.5 مليار دولار خلال 12 شهراً حتى يونيو الماضي، ما جعل الذهب أكبر صادراتها (27% من الإجمالي) متفوقاً على الأدوية. هذا الحجم من الصادرات ساهم في زيادة الفائض التجاري السويسري مع الولايات المتحدة، فحمّل بعض السياسيين في برن قطاع الذهب مسؤولية فشل المفاوضات التجارية مع إدارة ترامب، التي أعلنت رسماً انتقامياً بنسبة 39% على واردات معينة من سويسرا، مع شمول الذهب بشكل مفاجئ.
بعض النواب من الوسط واليسار طالبوا بتحميل القطاع كلفة “الأضرار” الناتجة عن الأزمة، سواء عبر ضرائب خاصة أو إعادة النظر في مسار شحن الذهب، بينما اقترح آخرون إعادة السبائك إلى الدول التي جاءت منها وتركها تتكفل بنقلها إلى السوق الأمريكية. وفي المقابل دافع ممثلو الصناعة عن دور سويسرا كمحور عالمي للتكرير بفضل خبرتها التنظيمية والتقنية، محذرين من أن استهداف القطاع سيضر بسمعة البلاد الاقتصادية.
الأزمة سلطت الضوء على هشاشة نمط تجارة الذهب، الذي يقوم على صهر السبائك الكبيرة المتداولة في لندن وإعادة صبها في شكل سبائك صغيرة مطابقة لمعايير التسليم في نيويورك، وهي عملية منخفضة الربح لكنها أساسية لربط السوقين. ومع تهديد الرسوم توقفت الصادرات تقريباً في الأشهر الأخيرة، ما عمّق المخاوف من إغلاق قنوات رئيسية في التجارة العالمية للذهب.
ورغم النبرة التصعيدية الأولية أعلنت الإدارة الأمريكية أنها ستصدر أمراً تنفيذياً قريباً لتوضيح موقفها من رسوم الذهب، في خطوة فسّرها محللون بأنها محاولة لتهدئة الأسواق والمستثمرين. ومع ذلك يرى مراقبون أن الأزمة لن تنتهي سريعاً، وأنها قد تدفع سويسرا للتفكير في تنويع أسواقها أو حتى الاستثمار في منشآت تكرير داخل الولايات المتحدة كـ”جزرة” في المفاوضات، وهو ما ألمحت إليه شركات سويسرية كبرى مثل “MKS Pamp” التي تمتلك بالفعل عمليات في أوكلاهوما.