تلسكوب صيني “غامض” يقلق العلماء ويحيي سباق السيطرة على الفضاء

أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن مؤشرات قوية، ظهرت خلال الأشهر الأخيرة، تُوحي بأن الصين قد تكون بصدد بناء تلسكوب عملاق قطره 48 قدماً (نحو 14.6 متراً)، مما سيجعله، في حال اكتماله، أكبر تلسكوب أرضي على الإطلاق في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. المشروع، الذي لم تعلن عنه بكين رسميًا حتى الآن، أثار تساؤلات عميقة في الأوساط العلمية الأميركية وسط مخاوف من تداعيات محتملة على موازين التفوق التكنولوجي والعسكري في الفضاء.

وحسب الصحيفة الأميركية ذاتها، بدأت الشكوك تتعزز، منذ يناير الماضي، حين أعلنت شركة صينية مملوكة للدولة (“نانجينغ للآلات الفلكية”) فوزها بعقد بقيمة 22 مليون دولار لبناء قبة لتلسكوب بقطر 48 قدماً. لاحقاً ظهرت إشارات غير مباشرة أخرى، من بينها منشورات طلابية تحدثت عن زيارات علمية اطلعوا خلالها على نماذج مرايا معدّة لمشروع تلسكوب بهذه المواصفات، بالإضافة إلى تصريحات لعالم فلك صيني بارز أعرب عن رغبته في إنهاء المشروع قبل تقاعده.
ورغم تزايد هذه المعطيات، لم يصدر عن السلطات الصينية أي تعليق رسمي، وهو ما أثار قلق خبراء غربيين، ضمنهم روبرت كيرشنر، أستاذ علم الفلك الفخري بجامعة هارفارد، الذي وصف الغياب التام للتصريحات الصينية بأنه “غير مألوف في مشاريع من هذا النوع، عادة ما تترافق مع فخر وطني معلن”.

كيرشنر، الذي يقود حاليًا مشروع “تلسكوب الثلاثين مترًا” بدعم من مؤسسات بحثية أميركية وكندية ويابانية وهندية، يرى أن هذا التعتيم قد يُخفي أبعادًا استراتيجية، خاصة أن التلسكوبات العملاقة يمكن أن تُستخدم لأغراض مزدوجة، سواء علمية أو عسكرية، عبر مراقبة الأقمار الصناعية أو التحركات المدارية.

وتنقل “وول ستريت جورنال” عن مات ماونتن، المشرف على تلسكوبي “هابل” و”جيمس ويب”، أن الصين قد تسعى من خلال هذا المشروع إلى “إلهام أجيال جديدة من العلماء والتقنيين”، في إطار خطة بعيدة المدى تهدف إلى كسر الهيمنة الأميركية في مجالات العلوم الدقيقة. وقال ماونتن إن “علم الفلك طالما كان مدخلًا لاحتضان علوم الهندسة والرياضيات، وقد يستخدم كأداة لتوسيع قاعدة النخبة التكنولوجية في الصين”.

وبينما تحظى التلسكوبات الفضائية باهتمام عالمي كبير، لا تزال التلسكوبات الأرضية تحتفظ بدور محوري في علم الفلك، بفضل مرآتها الكبرى وسهولة صيانتها مقارنة بنظيراتها الفضائية. وتُعد المرايا العملاقة أداة ضرورية للحصول على صور فائقة الدقة تمكن من استكشاف الكواكب البعيدة والنجوم التي يحتمل أن تدعم حياة.

يُشار إلى أن أكبر التلسكوبات الأرضية العاملة حاليًا لا تتجاوز أقطار مراياها 10.4 أمتار، مثل تلسكوب “غراند كنارياس” الإسباني و”كيك” في هاواي. أما التلسكوبات قيد البناء، فأبرزها “ماجلان” العملاق بقطر 25.4 مترًا، و”التلسكوب الأوروبي” فائق الضخامة الذي سيصل قطره إلى 39.3 مترًا. ويطمح كيرشنر إلى بناء تلسكوب بقطر 30 مترًا في هاواي، باستخدام 492 قطعة سداسية من المرايا.

وبينما يواجه المشروع الأميركي صعوبات تمويلية، تزداد المخاوف من أن الصين قد تكون في طريقها لتثبيت مرصدها في هضبة التبت أو حتى في مواقع خارجية كالتشيلي، مما سيمنحها امتيازات في الرصد الجغرافي. وأكد علماء فلك تشيليون لـ”وول ستريت جورنال” وجود نشاطات صينية متزايدة في مواقع مخصصة للرصد في أمريكا الجنوبية.

ورغم مقترح البيت الأبيض مؤخراً بتقليص ميزانية “مؤسسة العلوم الوطنية” الأميركية من 9 إلى 4 مليارات دولار، أوصت لجنة الإنفاق في مجلس الشيوخ بتقليص محدود فقط، وأعلنت دعمها لمشروعي “ماجلان” و”تلسكوب الثلاثين مترًا”، وهو ما اعتُبر استجابة غير مباشرة لما وصفه كيرشنر بـ”التحدي الصيني المتصاعد”.

Exit mobile version