
المغرب يستثمر مونديال 2030 لتعزيز الذكاء الاصطناعي في قطاعات حيوية
قالت أمل الفلاح السغروشني، الوزيرة المنتدبة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، إن المغرب يحاول أن “يكون بمثابة منصة للحوار الإقليمي بشأن الذكاء الاصطناعي، ومنتجًا لممارساته الفضلى، ومدافعًا قويًا عن تعزيز القدرات المؤسسية والتقنية للدول الشقيقة، في إطار تعاون جنوب-جنوب قائم على المساواة والثقة”، مبرزة أن إطلاق الإستراتيجية الوطنية “المغرب الرقمي 2030” شكل “نقطة تحول نوعية في هندسة التحول الرقمي لبلادنا”.
وأكدت السغروشني، في الكلمة الافتتاحية للمناظرة الوطنية حول الذكاء الاصطناعي، اليوم الثلاثاء، وجود “رؤية لالتقاط استعداد المغرب لتنظيم كأس العالم 2030 والنظر إليه كفرصة إستراتيجية لاختبار الذكاء الاصطناعي في مجالات حساسة، كالنقل، والأمن، والصحة، والسياحة، والخدمات التفاعلية”، فضلا عن “تعزيز القدرات الرقمية للمقاولات الصغرى والمتوسطة، كونها تشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني”.
وشددت المسؤولة الحكومية ذاتها، في المناظرة التي تنظمها وزارتها في يومين، على أن “إطار الإستراتيجية الوطنية مهم، لكنه بحاجة إلى تصور جديد في ضوء معطى طارئ بالغ التأثير: الذكاء الاصطناعي”، معتبرة أن الأخير “لم يعد مجرد مكون تقني في عملية الرقمنة، بل أصبح محركًا مركزيًا لإعادة تشكيل البنى الإدارية، وأساليب اتخاذ القرار، والعلاقات بين الدولة والمجتمع”.
وأوردت وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة أن “التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي يضعنا أمام مسؤوليتين مزدوجتين، أولها تفادي الانشداد إلى رؤية متجاوزة للإدارة”، بالإضافة إلى “التحلي بالمرونة لإعادة توجيه الإستراتيجية الوطنية نحو الذكاء الاصطناعي، وجعله رافعة أساسية لجميع السياسات العمومية، بدل أن يبقى مجرد قطاع مستقل أو ملحق تقني”.
وتابعت المتحدثة: “من المؤكد أنه يجب أن ندرك، على نحو جماعي ومؤسساتي، أن الذكاء الاصطناعي ليس تكنولوجيا مستقبلية، بل واقع قائم يُعيد تعريف ما هو قادم، من خلال التسلل إلى أنظمة الحماية الاجتماعية، والتعليم، والصحة، والمالية، والتخطيط العمراني، معيدًا تشكيل المعادلات التقليدية للعدالة، والنجاعة، والموثوقية، والسيادة”.
وأكدت الوزيرة أن “المعركة لا تُخاض بين ما هو رقمي وغير رقمي، بل بين من يدركون التحول المتواصل للذكاء الاصطناعي ومن مازالوا يعتبرونه رهانًا مؤجلاً أو نقاشًا نخبوياً”، وقالت: “إدماج هذا الذكاء ضمن الأفق الإستراتيجي الوطني يُعد شرطًا أساسيًا للسيادة، لضمان عدم خروج التكنولوجيا عن سيطرة القيم، وعدم تجاوزها الإطار الديمقراطي الذي نلتزم به جميعًا”.
وشددت المسؤولة الحكومية ذاتها على أن وزارتها “لا تعتبر الذكاء الاصطناعي حلاً تقنيًا ثانوياً، بل تتعامل معه كمسؤولية مؤسساتية جوهرية تتطلب إعادة النظر في أنماط التفكير العمومي، وتحديث أدوات اتخاذ القرار، وإعادة ابتكار عملية تحسين الأداء والإجراءات، وبناء أنظمة جديدة للثقة بين المواطن والدولة”، وتابعت: “أحد المفارقات الكبرى المرتبطة بالموضوع تكمن في قدرته على تكريس التفاوتات، أو المساهمة في تقليصها”.
وأكدت السغروشني وجود “رغبة في جعل الذكاء الاصطناعي محركًا للعدالة الاجتماعية، وللولوج العادل إلى الفرص والموارد، بتمكين مختلف الفاعلين من الاستفادة المتوازنة من هذا التحول”، مردفة: “نعتقد أنه يجب أن يخدم تحسين جودة الخدمات العمومية وتيسير الولوج إليها، خاصة في المناطق النائية أو لدى الفئات الهشة؛ بالإضافة إلى دعم الشركات الناشئة المغربية في تطوير حلول ذكية محلية تستجيب لحاجيات السوق الوطني وتساهم في توسيع استعمال الحلول الرقمية”.
وزادت الوزيرة أن “الذكاء الاصطناعي يُبشّر بقفزة نوعية في أنماط الإنتاج والخدمة العمومية، ولكنه ليس تكنولوجيا محايدة، بل نظام معرفة وسلطة يُعيد تشكيل موازين القوى داخل المجتمع، وبين المواطن والدولة، وبين الدول ذاتها”، مبرزة أن “التحول بفعله لا يخلو من تحديات هيكلية معقدة، ضمنها مخاطر الانحياز الخوارزمي، التي تتسبب في الإقصاء والتمييز، خصوصًا في الخدمات الموجهة للفئات الهشة”.
وأشارت المتحدثة إلى “غياب آليات مؤسساتية للمساءلة الخوارزمية، عندما تُستخدم التقنية في اتخاذ قرارات إدارية أو مالية تمس الأفراد”، بالإضافة إلى “التحول المفاجئ لمركز الثقل في اتخاذ القرار السياسي نحو طبقات رقمية غير مرئية، ما يُضعف الشفافية ويُهدد مبدأ التدبير العمومي القائم على المسؤولية”، مع “العجز في الكفاءات الرقمية داخل القطاع العام، ما يضع بعض الإدارات في وضعية تبعية معرفية وتقنية للمزودين الخارجيين”.