تحديات دولية وهيكلية تواكب خارطة الطريق المغربية في التجارة الخارجية

ترتكز “خارطة طريق قطاع التجارة الخارجية” للفترة 2025-2027، التي أطلقت رسميا بحر الأسبوع الماضي بالدار البيضاء، على ثلاثة أهداف استراتيجية تتمثل في إحداث حوالي 76 ألف منصب شغل جديد، وتوسيع قاعدة الصادرات من خلال إحداث 400 مقاولة مصدرة جديدة سنويا، بالإضافة إلى تحقيق رقم إضافي من الصادرات يقدر بـ84 مليار درهم.

ويرى عدد من الباحثين الاقتصاديين المهتمين بالديناميات التجارية وتحولاتها العالمية والإقليمية أن “الحكومة تراهن، حسب ما أعلنته، على خارطة طريق طموحة للتجارة الخارجية برافعات واضحة؛ أبرزها دعم المصدرين وزيادة قدراتهم”؛ غير أنهم أكدوا أن “ذلك لا يعد كافيا لتغيير المنظومة التجارية الوطنية، خاصة في ظل تحولات التجارة الدولية وأزماتها الطارئة”.

إعلان تحديات دولية وهيكلية تواكب خارطة الطريق المغربية في التجارة الخارجية

“تغير البراديغمات”

إدريس العلاوي، محلل اقتصادي رئيس مكتب للاستشارات المالية والاقتصادية، قال إن “هذه الخارطة جاءت في ظل بيئة دولية غير مستقرة”، مستدلا بحرب في قلب أوروبا وتراجع ثقة المستثمرين الدوليين واضطرابات سلاسل الإمداد وتنامي السياسات الحمائية وتوجه العديد من الاقتصادات الكبرى نحو “إعادة التموقع الاستراتيجي” لمراكز الإنتاج، بدلا من تعميق العولمة، وأجمل “كل هذه المعطيات تجعل من تعزيز الصادرات اليوم مهمة أكثر تعقيدا مما كانت عليه قبل عقد من الزمن”.

من بين أبرز التحديات التي تواجه “المقاولات المغربية المصدرة”، تبرُز حسب العلاوي، في تصريح لجريدة النهار، “كلفة الإنتاج المرتفعة، خصوصا تلك المرتبطة بالطاقة. فعلى الرغم من التقدم الملحوظ في استراتيجيات الطاقات المتجددة، فإن العديد من الوحدات الإنتاجية الصناعية لا تزال تتحمل كلفة طاقية مرتفعة مقارنة بمثيلاتها في دول منافسة”.

وأضاف المحلل الاقتصادي: “تُشكل كلفة اليد العاملة عاملا متباين التأثير؛ ففي قطاعات مثل صناعة السيارات والطائرات، نجح المغرب في تقديم عرض تنافسي يجمع بين الكفاءة والتكلفة، مستفيدا من توفر كفاءات هندسية وتقنية متمرسة وبرامج دعم وتكوين فعالة؛ لكن في قطاعات أخرى (كالنسيج، الصناعات الغذائية، وبعض الصناعات التحويلية) لا تزال الإنتاجية منخفضة نسبيا مقارنة بالتكلفة، ما يقلص من القدرة التنافسية في الأسواق الدولية”.

“يُعد الأداء المتميز لقطاعيْ صناعة السيارات والطيران نقطة ضوء في المشهد التجاري المغربي، بوصفهما رافعتين أساسيتين في دعم الصادرات، بفضل اندماجهما في سلاسل القيمة العالمية، وحضور فاعلين دوليين كبار، وتوفر بنية تحتية ولوجستية داعمة”، أورد المتحدث للجريدة.

“لكن هذا النجاح لا يمكن تعميمه تلقائيا”، استدرك رئيس مكتب للاستشارات المالية والاقتصادية، مبرزا أن “باقي القطاعات، خصوصا تلك ذات القيمة المضافة المتوسطة، لا تزال تبحث عن تموقع مستدام في الأسواق الخارجية؛ ما يستعجل الحاجة لإصلاحات عميقة في سلاسل التموين، الحوافز الجبائية، والتوجيه الاستراتيجي للعرض التصديري المغربي”.

ويرى العلاوي أن “خارطة طريق التجارة الخارجية 2025–2027 تمثل خطوة إيجابية في اتجاه استعادة توازن الميزان التجاري وتقوية حضور المغرب في السوق الدولية؛ غيْرَ أن تحقيق أهدافها لن يكون ممكنا دون معالجة الأعطاب الهيكلية المرتبطة بكلفة الإنتاج ومحدودية التنويع وصعوبة الولوج إلى الأسواق.

“إن التصدير ليس فقط عملية لوجستيكية أو تسويقية، بل هو انعكاس مباشر لقدرة الاقتصاد الوطني على خلق منتوج تنافسي، بجودة عالمية، وبكُلفة قابلة للتحدي في الأسواق الدولية”، ختم المتحدث الذي خلص إلى أن “التحول الحقيقي لن يتم بإعلان الأهداف فقط، بل بخلق منظومة إنتاج وتصدير متكاملة، يقودها القطاع الخاص وتدعمها الدولة بذكاء وفعالية.. ورغم الطابع الطموح والمحدد زمنيا للخارطة، فإن التنفيذ يبقى العامل الحاسم”.

توظيف الإمكانيات

بدر الزاهر الأزرق، أستاذ باحث اقتصادي في التجارة والأعمال، قال بدوره إن “إطلاق خارطة طريق التجارة الخارجية خطوةٌَ مستحسَنة انتقال/تحول اقتصادي تهمين عليه التجارة والخدمات إلى اقتصاد مُصنع ويعتمد على قطاعات التكنولوجيا”.

وقال الأزرق، في تصريح لجريدة النهار، إن “التجارة الخارجية للمغرب تعاني من عجز مزمن في قيمة الواردات مقارنة بالصادرات، مع تغطية يقارب معدلها نسبة 64 في المائة”، مبرزا ضمن التشخيص ذاته أن “ثمة اتفاقيات للتبادل الحر مع دول عديدة؛ لكنها لم تُستغل بشكل كامل”.

وأضاف الأستاذ الباحث في الشأن التجاري بأن “المغرب يعتمد بشكل كبير على السوق الأوروبية في صادراته ووارداته”، منبها إلى أن “غياب خطوط بحرية تجارية مغربية ضمن الأسطول يُقلل من كفاءة النقل والتصدير إلى الخارج ويضعف تنافسية وإمكانات الشركات المغربية”.

وأبرز الأزرق، ضمن حديثه للجريدة، أن “هناك حاجة ملحة إلى تنويع الاقتصاد والصادرات لتلبية متطلبات أسواق جديدة”، مع “التركيز على محاور التصدير في مناطق محددة مثل طنجة والدار البيضاء”.

كما قدّر المتحدث عينه أن “دعم الحكومة المغربية للمقاولات محدود، ويجب أن يشمَل شركات أكثر بحكم أن الدعم اليوم شامل يهم فقط 820 شركة، ولدينا أكثر من 6 آلاف شركة تصدر… وبالتالي هذا يطرح إشكال على مستوى من له الأولوية في الاستفادة”، لافتا إلى أن “بعض المناطق والجهات المغربية، مثل أكادير وفاس مكناس، تصدر معظم المنتجات دون تحويلها”.

كما استحضر الباحث الاقتصادي في التجارة والأعمال “أثر الاقتصاد غير المهيكل المهيمن على حوالي ثلُث الاقتصاد المغربي ويحد من قدرات التصدير”، معتبرا أن “تطوير البنية التحتية والموارد المالية ضروريٌ لتحفيز الصادرات وتحقيق التنوع الاقتصادي”.

زر الذهاب إلى الأعلى