
الغضب من “دعم فلسطين” يسلب جامعات أميركية التمويل والأمن الأكاديمي
تخشى بيليانا، وهي طالبة أجنبية في جامعة كولومبيا، أن تلاقي مصير مئات من أقرانها أوقفتهم سلطات الهجرة الأميركية أو ألغت تأشيراتهم على خلفية مشاركتهم في نشاطات داعمة للفلسطينيين على خلفية الحرب في غزة.
وتسود أجواء مشحونة حرم جامعة كولومبيا مع اقتراب نهاية الفصل الدراسي، في ظل اتهامات البيت الأبيض للجامعة المرموقة، وغيرها من جامعات “آيفي ليغ”، بمعاداة السامية واعتناق إيديولوجيات “ليبرالية متطرفة”، بينما يسعى أساتذة الجامعة جاهدين إلى إنقاذ تمويل أبحاثهم.
وتم تهديد مئات من الطلاب الأجانب على مستوى البلاد بإلغاء تأشيراتهم، فيما استُهدف آخرون، وتعرض بعضهم للاعتقال، بما يشمل طلاب جامعة كولومبيا، بسبب مشاركتهم في احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين أو حتى مخالفات مرورية بسيطة.
وقالت بيليانا، وهي طالبة قانون تبلغ 29 عاما، إنها تشعر برعب شديد إلى درجة أنها طلبت عدم الكشف عن اسمها الحقيقي أو بلدها الأصلي في أميركا اللاتينية، وأضافت: “الوضع مرعب حقا. تشعر كأنك لا تستطيع قول أي شيء أو مشاركة أي شيء”.
وتابعت المتحدثة ذاتها: “لم نعد أنا وأصدقائي ننشر شيئا على ‘إكس’، وكثر منا حذفوا منشوراتهم القديمة خوفا من تجاوز خط أحمر غير مرئي”، وأضافت أنها وزملاءها يحاولون فقط “حضور صفوفنا كأي يوم عادي”.
خفوت الترحيب
مع اقتراب الامتحانات النهائية الأسبوع الماضي اعتقل 80 متظاهرا مؤيدا للفلسطينيين بعد محاولتهم احتلال المكتبة الرئيسية. وسارعت الرئيسة المؤقتة للجامعة إلى إدانة هذه الاحتجاجات.
وأكدت بيليانا أنها حرصت على الابتعاد تماما عن مثل هذه التظاهرات، خوفا من أن تظهر في صورة ويتم ربطها بالحدث زورا.
من جهته قال وزير الخارجية ماركو روبيو إن السلطات تراجع أوضاع التأشيرات الخاصة بـ”المخربين” المشاركين، مضيفا أن “بلطجية حماس لم يعودوا موضع ترحيب في أمتنا العظيمة”.
وقال أوسكار وولف، رئيس اتحاد الطلاب المنتخب حديثا: “مستوى القلق بين الطلاب الأجانب في تزايد، بغض النظر عن مشاركتهم في الاحتجاجات أو لا”.
وولف، الذي التحق بالجامعة في سبتمبر 2023، قبل وقت قصير من هجوم حماس في 7 أكتوبر، قال إنه لم يعش سوى شهر واحد فقط من “الحياة الجامعية الطبيعية”.
وبسبب الاضطرابات أغلقت جامعة كولومبيا أبوابها أمام العامة، رغم أنها عادة ما تستقطب الآلاف إلى حرمها في مانهاتن.
حالة فوضى
اتهمت إدارة ترامب الجامعة بالسماح بانتشار معاداة السامية، وهو اتهام تنفيه كولومبيا بشكل قاطع؛ وإثر هذا الاتهام قامت الإدارة بقطع نحو 400 مليون دولار من التمويل الفدرالي المخصص للجامعة.
أما جامعة هارفرد فواجهت الإدارة بتحدٍّ، ورفعت دعوى قضائية لوقف تجميد منح بقيمة ملياري دولار.
وتخوض جامعة كولومبيا مفاوضات مع الحكومة، لكن الرئيسة المؤقتة كلير شيبمان أعلنت الأربعاء أن “قرابة 180 من زملائنا العاملين بدوام كامل أو جزئي على مشاريع ممولة من منح فدرالية متأثرة (بالقرار)” سيخسرون وظائفهم.
وقالت أستاذة الطب النفسي ريبيكا موليه إن منحتها لمشروع بحثي حول التوحد: “لم تُلغَ، لكنها لم تُموّل أيضًا، إنها في حالة جمود”، وأضافت: “لا يمكنني توظيف أحد أو القيام بمشتريات كبيرة… هناك العديد من المنح في هذا الوضع. إنها حالة فوضى، ولا يمكنك إجراء بحث علمي جيد وسط الفوضى”.
بدون سبب
قال البروفسور ماثيو كونلي، المتخصص في سياسات السرية الحكومية ورفع السرية، إن الصندوق الوطني للعلوم الإنسانية ألغى تمويل منحتين بدون تقديم “سبب حقيقي”، وأوضح أن المنحتين كانتا تهدفان إلى تدريب الباحثين على تحليل وحفظ السجلات التاريخية، خصوصا الرقمية منها، واصفا ذلك بأنه “أحد التحديات الكبرى التي تواجه الباحثين”.
لكن كونلي أصر على أنه لن يستسلم، قائلا: “أصبحت الجامعات هدفا (سياسيا)، لأن كل ما نقوم به يتعارض تماما مع ما تسعى إدارة ترامب إلى تحقيقه… إذا توقفنا عن التدريس والبحث فسنمنحهم انتصارا مجانيا”.
ويرى رئيس اتحاد الطلاب وولف أن الأمر أكبر من ذلك، وأن “هذا ليس هجوما (عابرا) على كولومبيا فحسب، بل هو مشهد أول لهجوم أوسع على المجتمع المدني”.