في ملجأ بوسكورة الواقع على بعد عشرين كيلومترا من الدار البيضاء تجد الكلاب، التي ضلت طريقها أو تخلى عنها أصحابها، ملاذا للاحتماء من عنف الطرقات والتشرد أو تعريض المارة لخطرها المحتمل، هنا تلقى هذه الحيوانات الرعاية والاهتمام والتطبيب وحضنا ينتشلها من الضياع ويوفر لها عيشا كريما حتى آخر رمق من حياتها في حالة لم تعثر على عائلة محبة تتبناها وتحتضنها.
قبل ثمانية وعشرين عاما حلت المواطنة الفرنسية إليز باغو بالمغرب وبدأت العمل في ملجأ بوسكورة، الذي يشرف عليه الاتحاد المغربي لحماية الحيوان المعترف به رسميا منذ فبراير من عام 1952 بظهير شريف، قصد استمرار نشاطه في الدفاع عن حقوق الحيوان والرفق بها وتوفير العناية اللازمة لهذه الكائنات المسالمة، تقول المشرفة عن الملجأ إليز باغو وهي تداعب كلابها المحمية، التي ارتمت في حضنها واستقبلتنا بحفاوة باحثة عن الحنان المفتقد.
يوفر الملجأ المترامية أطرافه على مساحة تقارب ستة آلاف متر مربع المأوى لأزيد من 250 كلبا من مختلف الأصناف والأجناس حيث تعيش جنبا إلى جنب مع باقي القطط والأحصنة والحمير، ويتم الاعتناء بها وتلبية طلباتها من مأكل ومشرب، كما تحظى هذه الحيوانات بالرعاية الطبية، وتحيا هناك بعيدا عن أذية البشر وفي كنف عائلة كبيرة وكريمة بعطاءاتها وحبها للحيوانات.
يبدأ الملجأ في تقديم خدماته منذ الساعة الثامنة صباحا حيث يقوم العمال الأربعة بإخراج الحيوانات من الجناح المخصص للمبيت، توجد به كنبات وأفرشة دافئة تحمي هذه الكائنات من قساوة البرد، للانتقال إلى الساحة الكبيرة حيث تجري الكلاب وتلعب بحرية وخفة، في الوقت الذي يعمل عبد الرحيم وخالد وباقي العمال على تنظيف أسرة النوم وتجهيز الطعام المحتوي على «الكروكيت» والأغذية المصبرة ووضعها في الأطباق المتناثرة في الجناح المخصص للأكل.
بعدما تملأ الكلاب بطونها بما جادت به الأيادي الرحيمة يتم فحصها ومداواة المريض منها، حيث غالبا ما تتعرض هذه الحيوانات لمجموعة من الأمراض الجلدية أو على مستوى الجهاز الهضمي، تقول إليز وهي تحمل بمساعدة خالد التقني البيطري الكلبة فيورا التي تعاني من مغص في الأمعاء، وضعتها فوق طاولة الفحص بالغرفة المخصصة لتقديم الرعاية الطبية، وأشربتها محلولا دوائيا لتكتشف أنها تعاني من هجمة حشرة البق التي ملأت فروتها وسببت لها الحكة الشديدة، طلبت من مرافقيها حمل الكلبة خارجا وأعدت لها حماما في الهواء الطلق، داعية أحد العمال إلى جلب المحلول المضاد للبراغيث وغسل الكلبة وتمشيط فروتها لإزالة هذه الحشرات التي أزعجت «فيورا».
تقول إليز إن الكلاب في الأصل لا تمثل خطرا إذا ما تم التعامل معها بطريقة سليمة وصحية، وفي غالب الأحيان لا تهاجم إلا دفاعا عن نفسها مستثنية الحيوانات المصابة بالسعار، في هذه الحالة يبقى تلقيحها من داء الكلب الحل الوحيد لتحييد الخطر، داعية إلى الابتعاد قدر الإمكان عن الكلاب حين تكون مجتمعة ومشردة في الشوارع.
وتشير محدثتنا، التي كرست معظم حياتها لخدمة الحيوانات، إلى أن تسيير الملجأ ليس سهلا وهو يتطلب الكثير من الحب والصبر والبحث الدائم عن موارد مالية من أجل الاستمرار في تقديم حياة أفضل لهذه الحيوانات، موضحة أن الملجأ يعتمد إلى جانب دعم وزارة الفلاحة على المساعدات المالية من المحسنين المغاربة والأجانب من أجل تغطية مصاريف الأكل والتطبيب ودفع أجور العاملين، داعية عموم المواطنين إلى الاهتمام بالملاجئ الخاصة بالحيوانات لأهميتها في الحد من التكاثر العشوائي لهذه الكائنات، حيث تحظى بالرعاية والعلاج والتلقيح ضد داء الكلب والإخصاء والتعقيم معتبرة هذه الطريقة الحل الأمثل لمواجهة ظاهرة الكلاب الضالة التي أضحت تثير الكثير من القلق.
يشاطرها خالد الحيرش، التقني البيطري ومعاونها هذا الرأي، موضحا أن معظم الكلاب المنتشرة في الطرقات كانت مملوكة لعوائل لم تعد قادرة على العناية بها فتخلت عنها في الطرقات وأصبحت ضالة ومشردة وقد تعترض سبيل المارة وتهاجمها بعدما تحولت من كائنات مسالمة إلى شرسة بسبب الإحساس بالفقد والضياع، «فهي كائنات لها أحاسيس مثلنا تماما»، لذلك، يقول خالد «حين تجد الرعاية التي تحتاجها تصبح وديعة وهو ما نحرص على القيام به بملجأ بوسكورة الذي يعمل كذلك على تقديم العلاجات الطبية مجانا للأسر الفقيرة والتي لا تملك مالا لإسعاف كلابها الجريحة.
أسماء إزووان
تصوير: عيسى السوري
