تعيش مدينة مراكش، خلال هذه الأيام على إيقاع درجات الحرارة المرتفعة، تتجاوز أحيانا 42 درجة، ما جعل سكان المدينة وزوارها يغيرون عاداتهم، واختيار قضاء اليوم وسط منتزهات طبيعية ضواحي مدينة مراكش من قبيل منطقة أوريكا، وإمليل، وأربعاء تغدوين، ومنطقة ويركان بإقليم الحوز، من أجل الترويح عن أنفسهم والاستمتاع بأجواء رطبة تمكنهم من استعادة أجسامهم الحيوية والطاقة المطلوبة.
وأمام ارتفاع درجات الحرارة، اضطر مجموعة من الشباب خصوصا القاطنين بالأحياء الشعبية بمدينة مراكش، إلى السباحة بالنافورات العمومية الواقعة بمختلف شوارع المدينة الحمراء، للتخفيف من أثر الحرارة وإتاحة الفرصة أمام أجسادهم المنهكة لاقتناص “تبريدة”غير مكلفة.
وكلما ارتفعت درجة الحرارة بمدينة مراكش، تصبح النافورات العمومية، مجالات مشاعة قابلة لاحتضان عشرات أجساد الشباب والأطفال والارتماء في حضن مياهها المنسابة، أغلبهم يختار أن يرتمي داخلها بملابسه حتى يتسنى له الفرار عندما تحل دورية لعناصر الأمن بعين المكان.
ويتشكل أغلب الذين يلجأون للنافورات من أجل السباحة خلال فصل الصيف، من أطفال الأحياء الشعبية أو من أطفال الشوارع والمشردين، الذين لايجدون ملاذا لهم من حرارة فصل الصيف الحارقة، إلا اللجوء إلى السباحة بنافورات توجد بالشوارع الرئيسية وسط مدينة مراكش، رغم الخطر الذي تشكله على صحتهم بسبب تدني جودة مياهها، إذ غالبا ما تستعمل هذه النافورات تقنية تدوير المياه التي لا يجري تجديدها إلا بعد مدة طويلة، مما يجعل مياهها غنية بالميكروبات والطفيليات.
ومن ضمن النافورات التي تشهد إقبالا كبيرا، للسباحة في مياهها من لدن الأطفال والشباب، النافورة المقابلة لمندوبية السياحة وسط حي جليز المعروف بالحي الأوروبي، حيث عاينت “الصحراء المغربية” مجموعة من الشباب والأطفال يسبحون بالنافورة المذكورة ما أثار فضول عدد من السياح الأجانب.
من جهة أخرى، تشهد الفضاءات الخضراء، خلال هذا الفصل من السنة، إقبالا كثيفا منقطع النظير من قبل زائريها مساء كل يوم، للاستجمام والاستمتاع بالطبيعة الخلابة لهده الفضاءات، والتخفيف من أثر الحرارة التي تعيش على إيقاعها مدينة مراكش، من خلال تسامر والتقاء العائلات على موائد تحتوي ما لذ وطاب من أكل وفواكه ومياه باردة.
ويفضل أغلب زوار هذه الفضاءات الخضراء الابتعاد عن ضجيج واكتظاظ الشوارع والمقاهي لقضاء فترة استرخاء واستجمام في إطار مجموعات عائلية لتناول مأكولات خفيفة جرى تحضيرها لهذه النزهة الليلية، في الهواء الطلق، في الوقت الذي يضطر بعض الزوار الدين يتخذون الفضاءات الخضراء مجالا للنزهة إلى إعداد “الطنجية” الأكلة المفضلة لدى المراكشيين على سائر المأكولات وتناولها بهذه الفضاءات الخضراء التي تزخر بها المدينة الحمراء، وتبادل الآراء حتى وقت متأخر من الليل، حول مواضيع آنية أو حكي قصص ونكت وطرائف أو المشاركة في لعب الأوراق أو الشطرنج والتي تتخللها فترات لاحتساء القهوة أو شرب كؤوس من الشاي.
ويعود تهافت الأسر المراكشية على هذه الفضاءات الخضراء، الى حقب من التاريخ، بالإضافة الى كونه يعد ممارسة متجذرة في تقاليد المراكشيين، الذين دأبوا في الماضي القريب، على تنظيم خرجات لهذه الفضاءاتفي إطار ما يعرف بـ”النزاهة”.
وشكلت حدائق مراكش التاريخية، التي تمت تهيئتها وإعادة هيكلتها، بمناظرها الخضراء رمزا فريدا لخصوصية المدينة الحمراء، وتشهد على مدى الشغف بالثقافة العربية الإسلامية الخاصة بالحدائق، وتبرز الإرادة القوية في إحداث مناظر طبيعية على المئات الهكتارات وفق هندسة رائعة.
وتمثل هذه الحدائق جزءا من هوية هذه المدينة وشاهدا على تاريخ مراكش المشرق المبني على رؤية في التهيئة خاصة للفضاءات الخضراء التي أفرزت منذ قرون مناظر طبيعية بديعة جعلت من المدينة الحمراء مدينة إيكولوجية.
