أجمع خبراء مغاربة على أن إيران تلقت ضربة موجعة بسبب حادث سقوط المروحية الذي أودى بحياة رئيس البلاد إبراهيم رئيسي، رفقة مجموعة من المسؤولين، من أبرزهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، وذلك بعدما عجزت الجمهورية الإسلامية عن إيجاد المروحية لساعات طويلة من البحث، وطلبت مساعدة الخارج لتتدخل تركيا وترشد إحدى مسيراتها طهران إلى جثت ضحايا الحادث.
هذه الواقعة خلخلت صورة “الدولة الغول في الإقليم”، التي تنصب نفسها “رقما صعبا في المعادلة”، بل وتهدد بمحو إسرائيل من الوجود، وتبسط سيطرتها على كثير من الأقطار العربية عبر الميليشيات والتنظيمات التابعة لها.
إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، اعتبر أن الحادث بملابساته وظروفه والأجواء التي رافقت عملية الإنقاذ، يبرز أن ثمة “مجموعة من الاختلالات التي لا تنسجم مع الصورة التي تحاول إيران تسويقها عن نفسها كقوة إقليمية ودولية لها طموحات في أن تستأثر بلعب أدوار في ظل التحولات الدولية الراهنة”.
وأضاف لكريني، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن خطورة حادث سقوط مروحية الرئيس الإيراني من جهة، وارتباطه برمز السيادة الإيرانية من جهة ثانية، أمر يعكس وجود “مفارقة ما بين الصورة المشرقة والمهمة التي تحاول إيران تسويقها على المستويين الإقليمي والدولي لدولة تستطيع أن تقارع إسرائيل ولها طموحات نووية، وما بين واقع داخلي يطرح مجموعة من الأسئلة حول الركائز والمقومات التي تستند إليها في تعزيز مكانتها على المستويين الإقليمي والدولي”.
ولفت الخبير في العلاقات الدولية الانتباه إلى أن هذا الأمر يذكر بما “وقع للاتحاد السوفييتي في سنوات الثمانينات، بحكم حضوره داخل مجلس الأمن كدولة ذات عضوية دائمة تتمتع بحق الفيتو، وتنافس الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى الدولي، وتقود مجموعة من الدول وتساعد الكثير من البلدان، لها طموحات كبرى في توسيع دائرة نفوذها وغزو الفضاء وما إلى ذلك”، مبرزا أن هذه الصورة الخارجية ثبت في بداية التسعينات أنها “لا تستند إلى مقومات داخلية تدعم هذه الطموحات الخارجية”، وأن هذا “عجل وأبان عن مجموعة من الاختلالات، ما أدى إلى سقوط الاتحاد السوفييتي اللاحق”.
وتابع لكريني قائلا: “اليوم يمكن القول إن ما جرى في هذا الحادث الخطير يطرح الكثير من الأسئلة بصدد مستقبل إيران، ومستقبل تحركاتها وسلوكها على المستوى الخارجي”، خصوصا وأنها دخلت في “مواجهات مباشرة مع إسرائيل وصلت إلى مستويات غير مسبوقة الخطورة، وأيضاً بالنظر إلى تمركز إيران بشكل أو بآخر في عدد من دول المنطقة كاليمن والعراق وسوريا وغيرها”.
وزاد الأكاديمي المغربي: “يبدو أن هذا الحادث ستكون له تبعات كبيرة بالنسبة للحضور الإيراني، خصوصا وأن الأمر يتعلق بحادث طال هرم السلطة ورمزا من رموز سيادة البلاد”، مؤكدا أن هذا الأمر ستكون له تبعات و”انشغال الإيرانيين بترميم البيت الداخلي وبتدبير هذه اللحظة السياسية الصعبة التي قد لا تخلو من مشاكل سياسية ومن صراع وصورتها التي تضررت بشكل كبير”.
وذهب لكريني إلى أن الكثير من الدول “اقتنعت بأن إيران ربما تحاول أن تسوق لنفسها “صورة أكبر من حجمها، وهذا ما قد يدفع بعض الدول إلى التنصل من التمدد الإيراني وتحدي الطموحات والتوجهات الهيمنية بالنسبة لمحيطها، بالصورة التي قد تقلل من حجم هذه التحركات التي يبدو أنها أثرت بشكل سلبي كبير على معالم النظام الإقليمي العربي بكل مكوناته الأمنية والسياسية والاقتصادية”، وفق تعبيره.
من جهته، قال خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، إن حادث تحطم الطائرة الإيرانية ينضاف إلى “الحدث العسكري، بغض النظر عما إذا كانت هناك استراتيجية إيرانية في عدم إلحاق الأذى بإسرائيل والرد الذي كان رمزيا أكثر منه فعليا”، موضحا أن الكثير من الحالات تبين فيها أن إيران تمتلك من “الكلام أكثر مما تمتلك من الفعل”.
وأضاف الشيات، ضمن تصريح لجريدة النهار، أن إيران تسوق لنفسها على أساس أنها “قوة إقليمية عسكرية، والحقيقة أنها تنبني على إرث مخابراتي كبير في المراحل السابقة والقدرة على الدعاية، وتتقن آليات الحرب الرابعة، التي هي حرب يصعب فيها التفريق بين السياسي والعسكري”، حيث تقوم بما سماه “نخر الدول من الداخل كما حدث في العراق ولبنان وسوريا واليمن وتمكينها من القدرة على التأثير في هذه الدول”.
وبهذه الصورة التي أعطيت بعد ساعات طوال من البحث في المناطق النائية، سجل الشيات أن إيران تبين أنها “لا تمتلك حتى طائرة تسمح بالرؤية الليلية والضبابية كالتي لدى تركيا، وهو الأمر الذي سيكون عاملا من عوامل قياس درجة القوة لدى إيران”، مستدركا بأن طهران تمتلك من القدرات العسكرية “الكثير، لكن تبقى دولة لديها جوانب ضعيفة في مستويات يمكن أن تكون مداخل إضعافها على الأقل عسكريا في حالة نشوب حرب بينها وبين الدول التي تعتبرها من الأعداء”.
أما خالد يايموت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، فاعتبر أن وفاة الرئيس الإيراني والوفد المرافق له “لن يؤثر بشكل كبير على إيران، لسبب بسيط هو أن من بين المميزات الأساسية للدولة الإيرانية المعاصرة أنها عملت بشكل مختلف عن سائر دول المنطقة في بناء مؤسسات لصناعة النخبة منذ بداية تسعينات القرن العشرين، حيث بنت جهازين للتنخيب في المجتمع الإيراني، سواء العسكري أو المدني، ولا تجد كبير عناء في إيجاد بدائل للنخب سواء العسكرية أو الأمنية أو السياسية”.
وأفاد يايموت في المقابل بأن إيران أبانت عن “ضعف شديد فيما يتعلق بالبحث عن الطائرة”، مرجعا ذلك إلى سبب أساسي هو أنها تعتمد على طائرات من “أسطول يعود إلى 30 أو 35 سنة خلت، وهذا ناتج عن الحصار المحكم الذي قادته كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكذلك المجموعة الأوروبية على طهران، حيث حرمتها من تجديد أسطولها من الطائرات، خصوصا ذات الطابع العسكري، ومن الحصول على قطع الغيار، مما جعل هذه العمليات تتكرر بشكل كبير”.
وأضاف يايموت أن الحادث أظهر “عجزا كبيرا على مستوى البحث، ورغم أن طهران طورت من الناحية التقنية الجانب العسكري لكنها أغفلت طريقة التعامل مع قضايا مثل هذه”، لافتا إلى أنها “منذ 3 سنوات وهي تحاول صناعة منظومة تتعلق بهذه الحوادث، إلا أنها ما زالت متخلفة بشكل كبير”.
وتوقع المتحدث ذاته أن يجري تجاوز هذا الضعف من خلال التعاون والبحث مع فريقين للبحث في المجال صيني ورو
سي منذ 2019، إلا أن المعرقل لسير هذه الأبحاث “هو قضية التمويل، واتفاق بينها وبين الصين يشمل هذا الجانب فيما يتعلق بالطوارئ والأزمات ورصد شامل يتعلق بهذه الحوادث والتعامل معها بين القوات الجوية الإيرانية والصينية”.
