أفاد البروفيسور محسن بنزاكور، أستاذ علم النفس الاجتماعي، أن ظاهرة الإدمان على استعمال الهواتف الذكية والشاشات الإلكترونية، بشكل عام، وخلال فصل الصيف، بشكل خاص، يعتبر ظاهرة سلبية لها عدد من النتائج السلبية على الحياة الاجتماعية والصحية، سيما على الأطفال والشباب، بسبب تبعات قضائهم لفترة طويلة أمام الشاشات المحمولة.
ومن مظاهر الإدمان على استعمال الهواتف النقالة، استعمالها لساعات طويلة ومستمرة، تفوق 3 ساعات، خلال فترة 24 ساعة، ما يعسر أمر تخليهم عنها، ذلك أن منعهم من استعمالها يشعرهم بالإحباط والعجز، إذ لا يتحملون انقضاء فترات قصيرة دون حملهم للهاتف الذكي أو الشاشة الرقمية. ومن نتائج إبعادهم عن هذه الوسائل الرقمية، دخولهم في حالة نفسية سلبية وعصبية، ناهيك عن دخولهم في حالة انعزال، يفيد أستاذ علم النفس الاجتماعي نفسه.
ويرتفع منسوب ظاهرة الاستعمال المفرط للأجهزة الرقمية، بشكل بارز خلال فصل الصيف، في فترة ينتظر منها أن تكون فترة للحركة ولممارسة الأنشطة البدنية بامتياز، بينما تتحول إلى حيز زمني يهدر فيه الأطفال والشباب، بشكل خاص، وقتا أطول دون الاستفادة منه بالشكل السليم المرغوب فيه، اجتماعيا وصحيا، يضيف بزاكور.
من جهتها، تحدثت مصادر طبية عن أنه في إمكان الأسر المتضررة من سلوكات أطفالها أو فرد من أعضائها من الإدمان على استعمال الأنترنيت والهاتف الذكي، استشارة الخدمات الصحية والنفسية لمصلحة الإدمان في الدارالبيضاء، حيث تستقبل حالات متنوعة للإصابة بالإدمان، ضمنها الإدمان على الأدوات الرقمية، والتي يصف معها الفريق المتخصص علاجات إما طبية أو سلوكية معرفية لتقديم المساعدة الواجبة وتمكين المدمنين من استثمار وقت فراغهم بشكل إيجابي ومساعدتهم على التخلي عن المشاعر السلبية التي تكون وراء هذا الإدمان.
وذكرت المصادر الطبية نفسها، أن خطورة الاستعمال المفرط للأجهزة الرقمية والالكترونية تكمن في أنها لا تسمح للأشخاص بعيش لحظات اجتماعية واقعية ملموسة، بل إنهم يظلون “غارقين” في عالم افتراضي رقمي، حيث يسبحون فيه لفترة طويلة، يوميا، ما يولد سلوكا مرضيا في استعمال الشاشات وألعاب الفيديو والأنترنت، إذ أن 40 في المائة من اليافعين، المتراوحة أعمارهم ما بين 13 و19 سنة، يعانون استخداما مرضيا للأنترنت، وأن حوالي 8 في المائة يوجدون في وضعية إدمان، استنادا إلى نتائج دراسة المسح الوطني حول عوامل الخطر المشتركة للأمراض غير السارية، تفيد المصادر.
ولمواجهة هذه النوعية من التحديات، وضعت بعض القطاعات الحكومية مخططات لمواجهة الإدمان الرقمي والاستعمال المفرط أو السلبي للأنترنت، ضمن مخططات رسمية تستهدف صحة الأطفال والشباب، تشارك فيها وزارات، الصحة والحماية الاجتماعية، التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي، الشباب والرياضة، وزارة الأسرة، الداخلية، الأوقاف والشؤون الإسلامية.
وانبثق عن هذه الشراكة الحكومية، وضع برنامج عمل بين-قطاعية، حققت بعض المكاسب في نشر الوعي وسط المتعلمين، إلا أنها ما تزال قاصرة عن تحقيق المبتغى منها، كونها تظل موسمية ولا تتوفر على جميع الإمكانات لتنزيلها بشكل فعلي على أرض الواقع، لعدم توفر فضاءات الصحة للشباب ومراكز الصحة الجامعية على جميع الموارد البشرية والمالية المرجوة، تعلق المصادر.
وفي هذا الصدد، أوضحت الدكتورة عصماء بومديان، طبيبة معالجة نفسية وسيكولوجية، في بحث علمي نشرته بالمجلة الصحية للجمعية المغربية للتواصل الصحي، أن من أسباب إدمان الأطفال على الألعاب الإلكترونية، شعورهم بالعزلة وبضعف تواصل الوالدين معهم ما يخلق لديهم حالة من الفراغ يتغلبون عليه باللعب الالكتروني فيجدون فرصة للهروب من واقعهم.
وأبرزت بومديان أن هذه المؤشرات على حالة الإدمان، تستلزم من الأسر وأولياء الأمور الانتباه لتسريع وتيرة استفادة الطفل من العلاجات السلوكية أو الطبية، حسب كل حالة، إذ يساعد العلاج السلوكي المعرفي على الوقاية من الأضرار المصاحبة لهذا النوع من الإدمان وعلى التغلب على المشاكل التي يصادفها الشخص المعني بالأمر من خلال تغيير طريقة التفكير حولها، من خلال تجزيء المشاكل التي يعاني منها الشخص المدمن، وهو الشيء الذي يقيه من أمراض القلق والاكتئاب.
تجدر الإشارة إلى أن الإدمان على الألعاب الإلكترونية يصيب الطفل بمجموعة أضرار، منها المتصلة بالعظام والمفاصل وبنية العضلات والجهاز البصري، ناهيك عن الأضرار الاجتماعية والتعليمية، مثل فقدان العلاقة التواصلية مع الآخرين وعدم التركيز الدراسي وعدم القدرة على بناء العلاقات الاجتماعية التفاعلية والمباشرة، ما قد يزكي الشعور بالوحدة والعزلة ونمو التفكير السلبي.
