أعاد حادث مقتل طفل عمره 13 عاما نتيجة إصابته بشهاب اصطناعي “أطلق عمدا” خلال شجار بين الجيران بأحد أحياء مدينة المحمدية إلى الواجهة الحديث عن مخاطر الاستخدام غير الآمن لها والمأسي التي تسببت فيها بعدة مدن، خاصة أن ترويج هذه الشهب الاصطناعية النارية والمفرقعات أو ما يصطلح عليه دارجا بـ الـ”قنبول” يتم بشكل “غير القانوني” من طرف مهربين ومروجين “مجهولين” يستغلون أحيانا قاصرين ومراهقين لبيعها بشكل عشوائي وسط بعض أسواق مدينة الدارالبيضاء، كما عاينت ذلك “الصحراء المغربية” خلال إنجازها للموضوع.
فبين التنبيه الطبي لخطورة ما يستخدم في صناعة هذه المواد من منتجات خطيرة تؤدي أحيانا للموت أو بتر الأطراف تقف الجراحة الطبية عاجزة أمام إصلاح آثارها، وفي انتظار تشديد العقوبات والتنزيل الفعلي للقانون المنظم لتداول هذه المواد، تبقى مصالح الأمن سيدة الموقف بين ملاحقتها للمروجين والمهربين والبائعين وبين تكثيف جهودها بحملات أمنية تحجز شحنات هائلة ومساطر قضائية تزج بالمتورطين وشركائهم خلف القضبان، في حين يبقى المشكل قائما أمام تطبيق صارم للقانون وتأخر أدوار بعض المصالح في محاصرة ظاهرة استيراد ترويج وتسويق المواد المتفجرة الممنوعة.
“”شيطان” “مالينوا” .. تعددت الأسماء والمفرقعات واحدة
عقارب الساعة تشير إلى الرابعة عصرا.. حركة دؤوبة وغير اعتيادية تشد أنظارك وأنت تتجول بين المحلات التجارية في منطقة درب عمر بالدارالبيضاء.
أطفال.. قاصرون وشباب لم تتجاوز أعمارهم العشرون، بهندام صيفي “شبه متسخ”، ومنهم من يحملون وشوما على أذرعهم أو آثار الإدمان أو ندوب نتيجة تعاطي المخدرات. يحملون بين أيديهم أو داخل حقائب للظهر أو كيس بلاستيكي علبا بأحجام وألوان مختلفة يعرضونها على المارة، وأعينهم لا تركز على المشتري بقدر ما تركز على الشارع وكأنهم يبحثون عن شيء ما.
عند اقترابك ومبادرتهم بالحديث تفهم معنى الارتباك البادي على ملامحهم، فهم يبيعون المفرقعات والشهب النارية الممنوع تداولها وحيازتها أو بيعها.
ففي وقت ترخي فيه مناسبة الاحتفال بـ “عاشوراء” بظلالها، يظهر هؤلاء الفتية والشباب بين جنبات المحلات التجارية بالمنطقة يبيعون هذه العلب “بشكل غير قانوني” للمارة، كما علمت “الصحراء المغربية” خلال جولتها بالمكان.
“باتري” “شيطان” “ورده” “بوطة” “صاروخ” “ثومه” “اكس دي” “سيكار” و”ميش” و”سمطه” و”كرانادا” و”مالينوا” وغيرها .. ما هي إلا أسماء ما يبيعونه من مفرقعات أو “قنبول” باللغة الدارجة، تتنوع حسب درجة انفجارها، فالـ “باتري” هو الأخطر بين هؤلاء، ثمنه يصل إلى 600 درهم، حسب تعبير أحدهم، قائلا “خطير جدا وصوت انفجاره يبعث الرعب”، مضيفا أن ثانيها خطورة هو الـ “شيطان”، علبة تتكون من 36 وحدة، لونها أسود غامق، ويصل ثمنها لأزيد من 170 درهما، رافضا بيع قطعة واحدة منها. أما باقي الأنواع فيتراوح ثمنها بين الخمس دراهم والـ 100 درهم، وهو ما أكدته الشهادات التي استقيناها على مضض من “باعة المناسبة”، حسب وصف أحد تجار محلات درب عمر، الذي بادرنا بالحديث وهو يطلب منا عدم مخالطتهم خوفا من قدوم الشرطة أو تعرضنا للسرقة، دون اخفاء امتعاضه “كغيره من أصحاب المحلات” من تحركاتهم “المشبوهة” التي تسيئ لسمعة درب عمر، كما يقول. فحين تبادر أحدهم بالسؤال يتحلقون حولك وكل واحد منهم يقدم عرضا مختلفا للبيع وينتهي المطاف بصراع لفظي “نابي” فيما بينهم.
وبين الخوف من الملاحقة الدؤوبة لعناصر الأمن ورفض التجار لوجودهم أو وقوفهم أمام محلاتهم، يواصل هؤلاء مهمة بيع الألعاب النارية “عشوائيا” مفسرين ذلك (كما يحلو لهم القول) بالرغبة في جني المال ولو بشكل غير قانوني أو “خلق السعادة” للأطفال خلال هذه المناسبة.
الاقتراب من هؤلاء للحصول على هذه المعطيات ولو بصعوبة، لم يخلو من الخوف على سلامتنا الجسدية، فقد كنا ملاحقين خلال جولتنا، بإيعاز ممن يعتبر نفسه “رئيسهم”، كما عرفنا ذلك، لنكتشف أنهم يعملون ضمن شبكات تنتظر حلول “عاشوراء” لتشغيل هؤلاء القاصرين في بيع هذه المواد، مستغلين انحرافهم أو ادمانهم على المخدرات أو حاجتهم للمال، متخذين منها مهنة مناسباتية مدرة للربح بصور مختلفة خطيرة على صحة مستعمليها.
جهود أمنية استباقية وحجز أكثر من 1.634.593 وحدة
أمام تنامي البيع “غير القانوني” لأنواع المفرقعات والشهب النارية الاصطناعية، فإن مصالح الأمن بالعاصمة الاقتصادية تبذل مجهودات استباقية مكثفة لتجفيف منابع تهريبها وترويجها، خصوصا تلك المستعملة في أعمال الشغب والعنف وارتكاب الاعتداءات الجسدية.
وهو ما تكشفه أرقام العمليات الأمنية منذ بداية شهر يوليوز الجاري لحجز هذه المواد، التي تعتبر غالبيتها بالغة الخطورة وسبق استخدامها في تنفيذ اعتداءات جسدية خطيرة، حيث حجزت أزيد من 1.634.593 وحدة من المفرقعات والشهب النارية بالدارالبيضاء وسطات إلى حدود الساعة.
وحسب البلاغات الأمنية، حجز في عمليات متفرقة بمنطقة البرنوصي وحي مولاي رشيد “مليون و485 و340 وحدة”، وبمنطقة الفداء “26 ألف و243″، وبمنطقة بن مسيك “36 ألف و619”. كما أوقفت خلالها سبعة أشخاص بينهم صاحب محل تجاري وشاب عمره 19 عاما.
مستشفيات تستقبل عشرات المصابين
بالحديث عن استعمال هذه المفرقعات النارية والمواد المتفجرة الخطيرة بشكل غير مسؤول، ما يحول فرحة الاحتفال بـ”عاشوراء” إلى مأساة. نذكر بالحادث المؤلم الذي اهتزت له مدينة المحمدية، ليلة 17 يوليوز، حين أزهق شهاب اصطناعي أطلق “بشكل عمدي” روح طفل عمره 13 عاما، فتحت على إثره فرقة الشرطة القضائية بحثا قضائيا، حيث كشفت الإفادات والمعاينات التمهيدية الأولية أن نزاعا نشب بين أشخاص، استخدم خلاله أحدهم شهابا اصطناعيا خطيرا، مما تسبب وفاة الطفل الضحية متأثرا بخطورة الإصابة، ليتم إيقاف اثنين ممن يشتبه في علاقتهم باقتراف الجريمة والمشاركة فيها، واجراء البحث لإيقاف ثالثهما (حسب بلاغ أمني).
ما سردنا وقائعه يدعونا إلى الحاجة الملحة للعمل على وقف استخدام هذه المنتجات الخطيرة، وهو ما شدد عليه مصدر من المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد الجامعي بالدار البيضاء، لـ “الصحراء المغربية”، كاشفا أنه تم خلال الأيام الماضية إدخال عشرات القاصرين إلى قسم طب عيون الأطفال بمستشفى 20 غشت بالدار البيضاء.
وتوقع مصدرنا ارتفاع هذه الحالات خلال الأيام المقبلة، نتيجة استخدامهم الألعاب النارية بشكل غير آمن ما يجعلهم عرضة لإصابات تتراوح بين البسيطة والخطيرة.
وتوقع الدكتور سعيد عفيف، رئيس جمعية الدار البيضاء لأطباء الأطفال (ACPP)، أن عدد المرضى المتأثرين بالمفرقعات النارية سيعرف زيادة في الأيام المقبلة.
ودعا، في تصريح للجريدة، الآباء والسلطات الأمنية والمحلية إلى تكثيف جهودهم في التعاطي مع هذه الظاهرة، محذرا من “المواد المستخدمة في تصنيع هذه المنتجات والتي تزيد من خطورتها، ويمكن أن يكون لها عواقب وخيمة على صحة مستخدميها”.
واعتبر الدكتور عفيف أن “زيادة الوعي بين الآباء والأطفال والمراهقين حول خطورة هذه المواد من شأنه الحد من الإصابات الخطيرة التي قد تؤدي إلى عاهات مستديمة أو الموت”.
والتحذير نفسه أطلقه الدكتور الطيب حمضي، الباحث في السياسات والأنظمة الصحية، موضحا أن إصابات الوجه والعين تحتل المقام الأول للإصابات الضحايا، ما قد يؤدي إلى فقدان البصر أو تلف القرنية أو حتى حدوث نزيف داخل العين”.
وفي المقام الثاني، يفسر الدكتور حمضي، في تصريح للجريدة، “تأتي الإصابات الجسدية التي قد تؤدي في الحالات الطارئة الخطيرة إلى بتر الأصابع أو اليد كلها عند الإصابة على مستوى اليدين أو الساعد”، فضلا عن الحروق الجلدية التي من المحتمل أن تصبح أكثر تعقيدا بسبب شدة الحرارة. وفقا للخبير، مشيرا إلى أن “المكونات المستخدمة حاليا لتصنيع الألعاب النارية غالبا ما تعقد مهمة الجراحة الطبية أو العلاج، وهو ما نلاحظه وننبه له في كل مرة خاصة هذه السنة”.
عقوبات قانونية لا تكفي ووقوع الفعل الجرمي يتجاوز الحيازة والصناعة
عن خطورة حيازة وبيع وتهريب هذه المواد وما يقوله القانون، أبرز الأستاذ معاش محامي بهيئة الدارالبيضاء، ورئيس المنظمة الدولية للمحامين، أن القانون رقم 22.16 المتعلق بـ “تنظيم المواد المتفجرة ذات الاستعمال المدني والشهب الاصطناعية الترفيهية والمعدات التي تحتوي على مواد نارية بيروتقنية” الصادر في 5 يوليوز 2018 جاء لإصلاح النصوص التشريعية والتنظيمية “القديمة” المتعلقة بالمواد المتفجرة ذات الاستعمال المدني، والتي تعود إلى ما بين سنتي 1914 و1954، ولم تعد ملاءمة للتطور الاجتماعي والاقتصادي لبلادنا، والسياق الأمني الوطني والدولي الذي يتطلب مزيدا من المراقبة، إضافة إلى التقدم التقني المحرز في مجال تصنيع ونقل وتخزين واستعمال المواد المتفجرة.
وعن العقوبات الجنائية التي يتضمنها هذا القانون، أوضح الأستاذ معاش لـ “الصحراء المغربية” أن الباب 14 منه (المواد 54 إلى 57) حدد عقوبات مشددة تنص على “الحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة مالية ما بين 50 ألف و500 ألف درهم أو إحداهما، لكل من يحوز دون مبرر قانوني مواد أولية أو مواد متفجرة أو شهب اصطناعية ترفيهية أو معدات تحتوي على مواد نارية بيروتقنية، وكذلك كل من يقوم بطريقة غير قانونية بصناعتها، مع مصادرة هذه المواد وإتلافها”.
كما تضمن الباب 13 منه، العقوبات الإدارية التي تتعلق بالإغلاق المؤقت أو النهائي للمصانع والمستودعات التي لا تتقيد بإجراءات السلامة المنصوص عليها.
وقال إن “القانون أحال على عدة نصوص تنظيمية تأخرت في الصدور للأسف، حيث صادق مجلس الحكومة في 21 يوليوز 2022، على مرسومين: الأول رقم 2.22.490 (قام بتحديد كيفيات تصنيف المواد المتفجرة ذات الاستعمال المدني والشهب الاصطناعية والمعدات التي تحتوي على مواد نارية بيروتقنية وكيفيات اعتمادها، وتعريف مناطق الخطر وتحديد مسافة امتدادها)، كما تضمن مقتضيات تحدد المساطر المتعلقة بالتراخيص باستيراد وتصدير وبيع وشراء واستعمال المواد المتفجرة ذات الاستعمال المدني والشهب الاصطناعية والمعدات التي تحتوي على مواد نارية بيروتقنية، كما تحدد كيفيات استعمال مادة البارود الموجهة للاحتفالات والمواسم). بينما المرسوم رقم 2.22.491 يتضمن مقتضيات تحدد المساطر المتعلقة بالتراخيص بإنشاء واستغلال المستودعات، وتحديد المساطر المتعلقة بالتصريح بخزانة أو مجموعة خزانات، وبيان كيفيات تهيئة واستغلال المستودعات والخزانات. كما تحدد مقتضياته المساطر المتعلقة بالتراخيص بإنشاء واستغلال المصانع، وكذا تفويتها ووقف استغلالها بعد توقفها، وتحديد أنظمة الحراسة والأمن والسلامة”.
وفي هذا الصدد، لفت المحامي محمد ولد حمو، بهيئة الدارالبيضاء، ونائب رئيس نادي المحامين بالمغرب، إلى أن هذا القانون “يخضع استيراد وتصدير هذه المواد المتفجرة أو الشهب الاصطناعية الترفيهية لترخيص يسلم من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالمعادن، إضافة إلى ترخيص يخص بيعها ونقلها وفق شروط صارمة ومحددة”.
وأضاف في تصريح لـ “الصحراء المغربية” أن المرسوم نص بخصوص شراء البارود الموجه للتظاهرات أو الاحتفالات ونقله وتخزينه واستعماله على “ضرورة إيداع طلب لدى السلطة الإدارية المحلية التي يقع مكان استعمال هذا البارود داخل نفوذها الترابي، من قبل شخص ذاتي أو اعتباري مرخص له بتنظيم التظاهرات أو الاحتفالات مقابل وصل إيداع يسلم فورا”.
الخبيران القانونيان أجمعا على أنه “القانون حديث مازالت تعتريه صعوبات في التنزيل وأخرى واقعية ولوجيستيكية تتعلق بالأساس بمحدودية وسائل المراقبة والإستباق، يقول المحامي معاش، وأنه رغم مجهودات الجهات الأمنية إلا أن بعض الإدارات المحلية لا تقوم بالأدوار المنوطة بها لمحاصرة ظاهرة استيراد ترويج وتسويق المواد المتفجرة الممنوعة وقد يكون هذا القانون مجالا لتعديل قريب لتدارك النقائص.
في حين، يرى المحامي ولد حمو، قائلا “أهم مقتضى في هذا القانون خاصة عندما تكون هناك مناسبة عاشوراء فإنه يقع العديد من المشاكل والجرائم غير العمدية أو في بعض الأحيان عمدية باستعمال الشهب الاصطناعية والمواد المتفجرة التي تمس بسلامة وصحة المواطنين (حادث طفل المحمدية مثلا) وهناك وقائع أخرى مثل الشغب في الملاعب .. فهذه الشهب جد خطيرة وتروج بكثرة، وأنه رغم المجهود الذي تبذله الدولة وإحكام القبضة من طرف إدارة الجمارك والعديد من التدابير إلا أنه ما زال هناك تقصير.
كما يرى المحامي أن “الامر حين يتجاوز الحيازة والصناعة ووقع الفعل الجرمي لابد من تدخل القانون الجنائي ليصبح المرجع فيما يتعلق بالجرج أو القتل الخطأ حيث تطبق فصول الفرع الثالث من القانون الجنائي من 432 حتى 435”.
كما شدد المحامي على وجوب وضع تدابير وإعادة صياغة عدد من فصول القانون حتى تكون عقوبات مشددة إلى جانب رقابة صارمة سواء من طرف السلطات الإدارية والحكومية وإدارة الجمارك قائلا إن “الغاية هي تعزيز نظام الأمن والسلامة المرتبط بالمواد المتفجرة وهذا لن يتأتى إلا عن طريق تطبيق صارم للقانون”.
