أظهرت نتائج دراسة ميدانية أنجزها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، حول “ظاهرة العنف بالوسط المدرسي في جميع أسلاك التعليم الأساسي” أنه رغم المنع الكلي للعقوبات التي تستند إلى العنف، مازالت هذه الممارسة حاضرة في المؤسسات المدرسية بالمغرب، موضحة أن أزيد من 30 في المائة من التلامذة صرحوا أنهم تعرضوا لعقوبات بدنية بينها الصفع والضرب.
وفي هذا الصدد، كشفت الدراسة، أن العقوبات البدنية مازالت تمارس في بعض المؤسسات المدرسية، إذ صرح 30.6 في المائة من عينة تشمل 260 مؤسسة مدرسية شارك فيها 13 ألفا و884 تلميذا وتلميذة يمثلون الأسلاك الثلاثة للتعليم، أنهم تعرضوا للضرب بأداة، في حين، أكد 17.3 في المائة منهم أنهم تعرضوا للصفع أو الضرب خاصة في صفوف التلامذة الذكور الذين يتعرضون أكثر من الإناث للعقوبات والضرب.
وبينت الدراسة التقييمية التي أنجزها المجلس من خلال الهيئة الوطنية للتقييم، بشراكة مع “اليونيسيف”، حول ظاهرة العنف في جميع أسلاك التعليم الأساسي “من الابتدائي إلى الثانوي التأهيلي مرورا بالإعدادي”، تتوفر “الصحراء المغربية” على نسخة منها، أن المؤسسات المدرسية الخاصة، بشكل أكبر، تلجأ إلى أنواع متعددة من العقوبات مقارنة مع المدارس العمومية، ورغم تقلص نسبة حدوثها، مازالت العقوبة الجسدية حاضرة في السلك الثانوي التأهيلي.
وبخصوص العقوبات اللفظية والرمزية مثل السب والإهانة، فبينت الدراسة “البحث الميداني” أنها الأكثر شيوعا في المدارس الابتدائية تليها العقوبات التربوية مثل العقوبات الكتابية من خلال إلزام التلميذ بنسخ عدد من أسطر نص مكتوب، والتخفيض من النقط المحصل عليها، أما الصنف الثالث، فهو يتعلق بالعقاب البدني.
وأضافت الدراسة أن 28 في المائة من تلامذة المدارس الابتدائية صرحوا أنهم تعرضوا لعقاب الضرب بأداة. أما في الثانوي، فتختلف العقوبات مع تلك المسجلة في السلك الابتدائي، مع وجود بعض أشكال التشابه من حيث النوع والصنف، حيث أبرزت الدراسة أن الإنذارات والرسائل المبعوثة للوالدين تعتبر من العقوبات الأكثر شيوعا، كما يلجأ الأطر إلى عقوبات تربوية أخرى مثل التمارين الإضافية.
وبخصوص المناخ المدرسي والعنف في المؤسسات المدرسية، كشفت الدراسة أن التلامذة يتمثلون المناخ المدرسي بشكل إيجابي عموما وذلك في جميع المستويات التعليمية، إلا أن هذا التمثل يتدهور مع التقدم في الأسلاك ليبلغ ذروته في التعليم الثانوي التأهيلي.
ويعرب العديد من التلامذة عن الشعور بالخوف داخل مدرستهم، خاصة في علاقاتهم مع السلطة التربوية التي يجسدها كل من الأساتذة والمديرين، كما أن هناك أماكن لا يحب تلامذة السلك الابتدائي التردد عليها بسبب الخوف الذي تثيره في نفوسهم، مثل المراحيض (38.5 في المائة من تلامذة الابتدائي) ومكتب المدير (32.1 في المائة)، أما 30 في المائة من تلامذة الابتدائي فصرحوا أن الخوف ينتابهم على الطريق المؤدية إلى مدرستهم.
أما في السلك الثانوي فينظر إلى رفاهية التلامذة، بشكل عام، على أنها إيجابية في المؤسسة، لكن بعض التلامذة يعانون من الخوف وانعدام الأمن خاصة في المراحيض (35.1 في المائة)، والمناطق المحيطة بالمؤسسة (47.5 في المائة) وفي الطريق إليها (45 في المائة). كما يشعر تلامذة السلك الثانوي بعدم الأمان في الأماكن غير الخاضعة للمراقبة.
وأتاحت نتائج الدراسة بناء مؤشر متعدد الأبعاد للمناخ المدرسي، حيث لوحظ أن هذا المناخ يتدهور مع تقدم التلامذة في الأسلاك التعليمية، وخاصة في المؤسسات العمومية بالوسط الحضري، وبشكل خاص بين تلامذة السلك الثانوي التأهيلي.
وفي ما يخص الفاعلين التربويين والعنف بالوسط المدرسي، تبين الدراسة مدى استمرار أعمال العنف رغم التصور الإيجابي نسبيا، للمناخ المدرسي، فالعقاب البدني إزاء التلامذة كان ولا يزال منتشرا، فبعض الأساتذة يعتقدون أن العنف ضروري للتصدي للعنف الصادر عن التلامذة، وعلى الرغم من تعليمات الوزارة الوصية التي تحظر استخدامه يبدو أن المؤسسات المتواجدة في المناطق الهشة بالوسط الحضري أکثر تأثرا بهذه الظاهرة.
أما أعمال التحرش المرتكبة في المدرسة ضد الهيئة التربوية فتمثل 6.1 في المائة من الأساتذة حسب تصريحاتهم.
وتجدر الإشارة إلى أن منصة مرصد التي أطلقتها وزارة التربية الوطنية لتسجيل حالات العنف في المؤسسات التعليمية غير معروفة عند 75.9 في المئة من الموظفين ونادرا ما تسجل فيها أعمال العنف المرتكبة.
وشددت الدراسة على أن مكافحة العقاب البدني، وهو شكل من أشكال العنف المستخدم من طرف بعض الأساتذة، يعتبر من الأولويات حيث لا يمكن بناء أي تعليم على الخوف والعقاب البدني وهناك حاجة ماسة إلى تكوين وتدريب الأساتذة على التعامل مع السلوكات السلبية لبعض التلامذة والحفاظ على بيئة تعليمية آمنة.
واعتبرت أن العنف السيبراني في المؤسسات التعليمية يقتضي مقاربة خاصة، حيث يمكن للمؤسسات المدرسية وضع سياسات واضحة وتدريب الجهات الفاعلة المعنية وتقديم الدعم النفسي والعاطفي للضحايا. ولفتت إلى أن التكوين المناسب للأطر التربوية يشكل عنصرا أساسيا في التعامل الفعال مع العنف المدرسي، إذ يمكن دمج المقاربات البيداغوجية في تكوين المديرين والأساتذة، لضمان تدبير أفضل وتعامل أنجع مع حالات العنف بين التلامذة.
