شكل الإعلان عن صفقة استحواذ هولدينغ “سهام” على مجموعة “الشركة العامة المغرب” والفروع التابعة لها حدثا مهما في السوق المالية الوطنية، بعدما وقعت اتفاقا رسميا مع “الشركة العامة فرنسا” من أجل اقتناء حصصها البالغة 57.67 في المائة، في صفقة ضخمة بقيمة 745 مليون أورو.
واستبقت الصفقة الجديدة مجموعة من الأخبار والمعطيات حول خروج فرنسي جديد من السوق البنكية الوطنية، بعد انسحاب القرض الفلاحي فرنسا من رأسمال “مصرف المغرب” لصالح “هولماركوم” المغربية؛ وذلك في سياق استراتيجية المجموعة الفرنسية الأم لإعادة هيكلة استثماراتها، والتخلي عن فروع وشركات تابعة في إفريقيا ومناطق أخرى من العالم.
وفتح الإعلان عن الصفقة الجديدة من قبل “سهام” و”الشركة العامة فرنسا” الباب أمام مجموعة من التساؤلات بشأن مصادر تمويل هذه العملية المالية الجديدة، خصوصا أن معطيات تحدثت خلال الفترة الماضية عن تمويل مزدوج، ذاتي وبنكي، وكذا بشأن هوية الشركات المعنية بعملية الاستحواذ، وكذا التراخيص اللازمة لإتمام الصفقة.
تمويل الصفقة وأبعادها
حمل البلاغ الصحافي الصادر عن مجموعة “سهام” بمناسبة الإعلان عن الاستحواذ على حصص “الشركة العامة فرنسا” في مجموعة “الشركة العامة المغرب” والفروع التابعة لها إشارة واضحة بشأن طبيعة تمويل الصفقة، حيث سيجري تغطية مبلغ 745 مليون أورو انطلاقا من الأصول الذاتية capitaux propres للهولدينغ المملوك من قبل وزير التجارة والصناعة السابق مولاي حفيظ العلمي وكذا من أرباح الاستثمارات على المستوى الدولي.
وأكد زكرياء لحلو، محلل مالي ومستشار المحافظ الاستثمارية ببورصة الدار البيضاء، أن قيمة الصفقة التي ناهزت 8 مليارات درهم تطرح أكثر من سؤال حول قدرة مجموعة وطنية على تعبئة هذا المبلغ من السيولة في ظل الظرفية الراهنة المتسمة بنقص حاد في السيولة بالسوق المالية، موضحا أن “سهام” باعتباره طرفا مُقتنيا لم يكشف عن هوية أي جهة تمويلية ستواكبه خلال الفترة المقبلة، رغم المعلومات التي استبقت الإعلان الرسمي عن الصفقة والتي أشارت إلى تغطية القروض البنكية لحوالي 4 مليارات درهم من قيمة عملية الاستحواذ.
وأضاف لحلو، في تصريح لجريدة النهار، أن الصفقة الجديدة ستفرض على شركة تابعة مثل “إكدوم”، المتخصصة في تمويل التجهيزات المنزلية، والمدرجة في بورصة الدار البيضاء، الإعلان عن عرض شراء عمومي للسندات خلال الفترة المقبلة؛ فيما ستخضع شركات أخرى لتغييرات على المستوى الإداري، موضحا أن الأمر يتعلق بشركة التأمينات “المغربية للحياة”، و”صوجي ليز”، الشركة المتخصصة في التأجير الائتماني “الليزينغ”، وبنك “أنفستيما”، بالإضافة إلى شركة تدبير الأصول “صوجي كابتال جيستيون”، وشركة توظيف الأموال والمحافظ الاستثمارية “صوجي كابيتال”، وكذا شركة الوساطة في البورصة “صوجي كابيتال بورصة”.
وأوضح المستشار المالي أن هولدينغ “سهام” حقق، منذ سنوات طويلة، مداخيل سائلة مهمة من صفقة بيع فرعه “سهام للتأمينات” إلى المجموعة الجنوب إفريقية “سنلام”، حيث قدرت قيمة العملية المالية حينها بـ1.05 مليارات دولار، أي أزيد من 10.5 مليارات درهم، مؤكدا أن الهولدينغ الذي تحول إلى صندوق استثماري بمساهمات متعددة عمد إلى تطوير فروع تابعة له خلال الفترة الماضية، خصوصا في قطاعي الصحة والتعليم الخصوصي.
يشار إلى أن الصفقة سيظل إتمامها مرتبطا بدرجة أولى بالحصول على التراخيص اللازمة من الطرفين في المغرب وفرنسا، خصوصا بالنسبة إلى مجموعة “سهام” التي يتعين أن تشعر مجلس المنافسة بشأن العملية المالية وتحصل على ترخيص جديد من بنك المغرب والهيئة المغربية لسوق الرساميل وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي “أكابس”.
قطب مالي وطني
في قراءة أخرى للبلاغ الصادر عن مجموعة “سهام” الاستثمارية، وردت إشارة قوية على لسان مولاي حفيظ العلمي، رئيس المجموعة، بشأن “التزام الهولدينغ المغربي بالتوجيهات الملكية للملك محمد السادس، والاستراتيجيات الناجحة التي تدعو المقاولين المغاربة إلى الاستثمار بكثافة في الاقتصاد الوطني”، حيث تؤشر هذه العبارات على أبعاد استراتيجية للصفقة الجديدة تتجاوز منطق الربح التجاري إلى إحداث قطب مالي وطني جديد.
وبالنسبة إلى عبد اللطيف ويجمان، خبير في الأسواق المالية، فصفقة استحواذ “سهام” على “الشركة العامة المغرب” تمثل خطوة جديدة في مشروع لمغربة القطاع البنكي، الذي يعتبر بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني الحصان الرابح خلال الفترة المقبلة، والوسيلة الأمثل في مواجهة المنافسة الشرسة بالأسواق الأفريقية على الاستثمارات، خصوصا أن مجموعات بنكية كبرى، مثل “التجاري وفا بنك” و”بنك أفريقيا” والببنك المركزي الشعبي”، قطعت أشواطا مهمة ضمن هذا المسار الاستراتيجي.
وشدد ويجمان، في تصريح لجريدة النهار، على أهمية العملية المالية الجديدة في توسيع الهوة بين البنوك الأوربية والأسواق الإفريقية، مؤكدا أن انسحاب القرض الفلاحي فرنسا من رأسمال “مصرف المغرب” لصالح “هولماركوم” وكذا استحواذ “سهام” على “الشركة العامة المغرب” يعزز التوقعات بشأن عملية مالية مقبلة يمكن أن تهم البنك المغربي للتجارة والصناعة BMCI، فرع “بي إن بي باريبا”، المجموعة الحاضرة في المغرب، والتي تمتلك استثمارات مهمة في القارة السمراء.
يشار إلى أن أحدث تقرير صادر عن شركة البورصة “المغرب لخدمات الوساطة” MSIN كشف عن عدم تأثر البنوك المدرجة بالظرفية الاقتصادية والمناخية المحلية والدولية، حيث أبدى القطاع البنكي مقاومة ملحوظة، بعدما تمكن من رفع أرباحه بـ2.6 مليارات درهم خلال 2023؛ وهو المنحى التصاعدي الذي استمر على مدى ثلاث سنوات الماضية، واعتبر الأعلى منذ 2016.
