هل تمهد صفقة “سهام والشركة العامة” لميلاد أقطاب مالية وطنية بالمغرب؟

هل تمهد صفقة
حجم الخط:

تتجاوز صفقة استحواذ مجموعة “سهام”، المملوكة من قبل وزير التجارة والصناعة السابق مولاي حفيظ العلمي، على حصص “الشركة العامة فرنسا” في فرعها بالمغرب، منطق العملية المالية الضخمة، إلى خطوة استراتيجية نحو إحداث أقطاب مالية وطنية في المغرب، إلى جانب “التجاري وفا بنك” و”بنك أفريقيا” و”مصرف المغرب”، الذي دخل أخيرا في محفظة مجموعة “هولماركوم” المغربية.

وتندرج الصفقة الجديدة في مسلسل لـ”مغربة” القطاع البنكي، بعد مغادرة متتالية للفرنسيين لهذا القطاع. يتعلق الأمر بـ”القرض الفلاحي فرنسا”، الذي كان يمتلك 78.7 في المائة من الحصص في رأسمال “مصرف المغرب”، قبل أن يأتي الدور على “الشركة العامة فرنسا”، إلا أن الفترة الماضية ظلت حبلى بعمليات مشابهة رسخت رغبة قديمة في إحداث أقطاب مالية وطنية.

عمليات استحواذ بنكية

انطلقت أولى عمليات الاستحواذ البنكية في سياق البحث عن إحداث أقطاب مالية وطنية، بالاستحواذ على “شركة البنك والقرض” (SBC) من قبل “البنك التجاري المغرب” (BCM) في 1991، ثم بعد ذلك، سيطرة “وفا بنك” على فرع تابع لبنك إسباني تحت اسم “إينيبان” (UNIBAN)، قبل أن تحل الألفية الجديدة بعملية استحواذ أخرى للبنك ذاته طالت “BBVA”، فرع مغربي لـ”بانكو بيلباو فيسكاي أرجونتاريا”.

واستحوذت مجموعة البنك المركزي الشعبي على الشركة المغربية للإيداع والقرض (SMDC)، فيما سيطر البنك المغربي للتجار والصناعة-فرع “بي إن بي باريبا” في 2003 على بنك “ABN AMROC Bank”، فرع مجموعة بنكية هولندية كبيرة، موازاة مع استحواذ صندوق الإيداع والتدبير على البنك الوطني من أجل التنمية الاقتصادية (BNDE).

وأكد صلاح إسماعيلي، محلل مستشار مالي، أن المستثمرين في القطاع البنكي المغربي ظلوا على مدى سنوات مرحبين بنظرائهم الأجانب، ودخلوا معهم في شراكات ومشاريع تمويلية مشتركة، موضحا أن ظروف المجموعات البنكية الفرنسية الحالية جددت الحلم المتعلق بإحداث أقطاب مالية وطنية، مشددا على أن انسحابها من المغرب ودول إفريقية أمر طبيعي، وسيخدم مصالح المجموعات البنكية المغربية في الأسواق الإفريقية.

وأضاف إسماعيلي أن مجموعات “التجاري وفا بنك” و”البنك المركزي الشعبي” وبنك أفريقيا” مكنت المغرب من التمركز كثاني أكبر مستثمر داخلي في إفريقيا وأول مستثمر في غرب إفريقيا، حيث استثمرت المملكة ما يقرب من 5 مليارات دولار في إفريقيا جنوب الصحراء خلال عشر سنوات، موضحا أن البنوك المغربية عبر فروعها لعبت دورا مهما في الدبلوماسية الاقتصادية بالقارة السمراء خلال السنوات الماضية.

توسع إفريقي استراتيجي

ضاعفت عمليات التوسع في غرب أفريقيا أرباح البنوك المغربية الكبرى خلال السنوات الأخيرة، حتى في عز جائحة “كورونا”، حيث لعبت هذه البنوك دورا في تمويل الدفع الاستثماري المنسق للمملكة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.

وبالنسبة إلى محمد أمين الحسني، خبير اقتصادي، فإن توجه المجموعات البنكية المغربية إلى أفريقيا كان خيارا استراتيجيا صائبا، بالنظر إلى تباطؤ نمو السوق البنكية في المغرب خلال السنوات الماضية، معلقا بأنها “سوق منخفضة النمو نسبيا، لذلك كان التوجه إلى أفريقيا هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله، حيث التطلع إلى مجال النمو التالي، وشراء البنوك في البلدان ذات الاختراق البنكي المنخفض”.

وأضاف الحسني أنه خلال عشر سنوات الماضية، كان توسع البنوك المغربية في المقام الأول تجاه الغرب الناطق بالفرنسية وأفريقيا الوسطى، حيث تقدمت مجموعة “التجاري وفا بنك” للمرة الأولى للحصول على ترخيص بنكي للعمل في السنغال عام 2005، مؤكدا أن الأمور تسارعت لتعمل المجموعة الآن في 25 دولة، معظمها في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويشمل ذلك كوت ديفوار ومالي والغابون والكاميرون، وكذلك الأمر بالنسبة إلى البنك المركزي الشعبي و”بنك أفريقيا”.

وأدى دخول البنوك المغربية إلى زعزعة قطاع بنكي لم يكن ينشطه في السابق سوى فاعلين محليين صغار، وعدد قليل من الشركات الفرنسية متعددة الجنسيات، فيما تراهن هذه المؤسسات الائتمانية خلال الفترة المقبلة على تعزيز الاستثمار في خدمات تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول، الذي من شأنه تحسين ولوج المزيد من الأشخاص في المنطقة إلى الخدمات المالية.