للمغاربة في شهر رمضان الكريم عادات تختلف عن باقي أيام السنة، فهو شهر العبادات والتقرب إلى الله، كما أنه شهر محاولة الخروج عن المألوف في عادات الأسر، فمنها من يحرص على لمة أفرادها حول طاولة واحدة داخل البيت، ومنها من اعتاد كسر هذه اللمة بين حين وآخر واستبدال البيت بموائد الإفطار بالمطاعم . لكن بجولة سريعة على بعضها، وعلى عكس السنة الماضية وما قبل الجائحة، يظهر أن الاقبال ليس كعادته، مطاعم تبدو شبه فارغة، وأخرى اختارت تنويع العرض لكن وجدت نفسها أما حاجز الطلب. والعزوف نفسه تواجهه الفنادق التي اختارت تقديم هذه الخدمة. أما المغاربة فكثير منهم فضل اللجوء إلى الفضاءات العامة أو الشواطئ، رغبة في الحفاظ على هذه العادة وفق مقدوراتهم الشرائية في ظل موجة الغلاء وارتفاع الأسعار.
مائدة إفطار بالشاطئ عوض المطعم
أكدت كريمة وهي أم لثلاثة أطفال، أنها وأسرتها الصغيرة تحرص خلال الشهر الفضيل على الإفطار خارج المنزل بين الفينة والأخرى في جو عائلي يجمعهم إلى جانب أقارب أخرين في أحد المطاعم، لكنها وبأسف تؤكد أنها هذه السنة فضلت اللجوء إلى شاطئ مدينة الدارالبيضاء، على غرار عدد من الأسر وكذا الشباب والشابات الذين أقبلوا منذ الأيام الأولى لشهر رمضان على تناول وجبة الإفطار الرمضانية وسط رمال الشاطئ والاستمتاع بحلول فصل الربيع وبصوت أمواج البحر ونجوم السماء المتلألئة.
كريمة وفي جوابها عن سؤال لـ “الصحراء المغربية” عن سبب الاقبال على الشاطئ عوض المطعم أو المقهى، أكدت أن الزيادة في فاتورة تناول وجبة الإفطار داخل هذه المحلات، إذ تصل إلى أزيد من 200 درهم ستكلف أسرتها الكثير، خاصة لأسرة تتكون من خمسة أفراد، وهو ما ليس في مقدورها كباقي من يلجون إلى هذا الفضاء من الأسر حيث تكون التكلفة تكون أقل وكأنك في منزلك.
رأي كريمة شاطره عدد من رواد الشاطئ مؤكدين أن الزيادة في موجة غلاء الأسعار التي انعكست على أثمان وجبات الإفطار داخل المطاعم والمقاهي، حالت دون حفاظهم على هذه العادة خلال شهر هذه السنة.
بجانب آخر هناك من حافظ على هذه العادة، رغم الزيادة في أسعار الوجبات، وحجتهم في ذلك التنوع في الوجبات المقدمة الموزعة بين مجموعة من الأطباق العصرية والتقليدية، وأن هناك أسعار متباينة لكل وجبة، وأن الكل بإمكانه تناول الوجبة حسب السعر الذي يتناسب مع قدرته الشرائية.
أسعار “مناسبة” أمام تنوع العرض وتحدي موجة الغلاء
أما المطاعم والمقاهي بالعاصمة الاقتصادية، وبالتواصل مع بعض مالكيها، أكدوا ضعف الاقبال على موائد الإفطار خلال العشر أيام الأولى من الشهر الفضيل، رغم حرصهم على تقديم وجبات إفطار بأسعار متباينة تتوزع بين 60 درهما وتصل إلى أزيد من 300 درهم للشخص الواحد.
أسعار تبدو مرتفعة، لكن أصحاب هذه المحلات وصفوها بالمناسبة للقدرة الشرائية للمواطن المغربي، تفسيرهم في ذلك “التنوع في العروض المقدمة لهذه الوجبات، رغم غلاء المعيشة الذي يؤثر سلبا على ما يقدمونه من عروض مقابل تدني الطلب”، كاشفين أن هذا الضعف في الاقبال أثر أيضا وبشكل جلي على ايرادات هذه المحلات خلال هذه المرحلة من السنة بشكل لا يوازي مبالغ اقتنائهم للمواد الغدائية التي ارتفعت أسعارها بشكل ملحوظ، صاحبه اضطرارهم للزيادة في أسعار القوائم الرمضانية للحفاظ على سمعة المحل وجودة مأكولاته المتنوعة بنسب تتراوح ما بين 20 و30 في المائة.
عبد الفضل: القطاع يواجه ارتفاع الأسعار والمنافسة “غير الشريفة”
بالتوجه بالسؤال إلى محمد عبد الفضل، منسق اللجنة المشتركة لمهن المطعمة في المغرب، قال “نعم يلاحظ وجود عزوف هذه السنة في نسب المقبلين على موائد الإفطار بنسبة ناقص 30 في المائة وتصل لناقص 50 أو 60 في المائة (حسب المحلات) لدى المقاهي والمطاعم على حد سواء مقارنة مع السنة الماضية”.
وأضاف عبد الفضل في اتصال بالجريدة قائلا” مع العلم أن رقم المعاملات الخاص بشهر رمضان دائما ما يكون ناقصا بالمقارنة مع الأيام العادية”.
وأوضح عبد الفضل أنه بالنسبة للمطاعم “هناك وفرة في العروض المقدمة خلال رمضان ما يكشف عن انخراط أصحابها في الرغبة في تقديم موائد رمضانية تليق بالزبون المغربي، حيث يتجاوز سعر الواحدة منها أزيد من 200 و300 درهم، في مقابل عدم تمكن الجميع من دفع هذه المبالغ”، مضيفا أن “القلة القليلة التي بمقدورها الدفع فإن الطلب يكون قليلا عليها مقابل العرض الكثير، حتى في إطار إفطار مع عرض مفتوح (بوفيه)، المتكون من عدد من الأطباق التي يتأثر أصحاب المطاعم بالأثمان المرتفعة لاقتناء مواد إعدادها سواء اللحوم أو الأسماك أو الدجاج أو الخضروات والفواكه وغيرها .. قبل توجيهها للتقديم”، قائلا “إيلا كانت مائدة الإفطار غلات عند المواطن فالشيء نفسه لدى صاحب المطعم”.
ولفت المتحدث إلى أن مائدة الإفطار المقدمة داخل المطعم، فزيادة لتحمل صاحب المطعم لارتفاع أثمان السلع والمواد الغدائية هناك مصاريف أخرى تواكبها يتحملونها من قبيل الضرائب وثمن كراء المحل والالتزامات المهنية والمادية للعاملين داخل المحل”.
أما بالنسبة للمقاهي، يقول عبد الفضل، إن وتيرة الاستهلاك وكذا اقبال الزبناء بشكل يومي عليها للإفطار عرفت بدورها تراجعا خلال شهر رمضان، مشيرا إلى أن ذلك يعود لسببين رئيسين، الأول هو القدرة الشرائية المتضررة لدى المواطن، والثاني هو المنافسة غير الشريفة للمقاهي المتنقلة التي تناسلت في الآونة الأخيرة حتى داخل المجال الحضري، مبرزا أن ذلك “يشكل منافسة غير قانونية تسببت في خسارة كبيرة لعدد من أصحاب المقاهي مع العلم أنها مقاهي غير مرخصة ويشتغل أصحابها في ظروف غير صحية تشكل خطرا على صحة المواطن وكذا على السلامة الاقتصادية للمهنيين العاملين في قطاع المقاهي، والتزامات أصحابها مع العاملين لديهم وهي إشكالية فاقمت صعوبة الوضعية الاقتصادية التي يعيشها قطاع المقاهي بالمغرب”.
على عكس السنوات السابقة، فإن تناول وجبة الإفطار خارج البيت، أضحت لا تثير حماس الصائمين، وهو ما يؤكده أصحاب المقاهي والمطاعم وحتى الفنادق، خلال تواصلنا معهم. ومع ذلك يقولون إنهم يقدمون الصيغ التي تتيح للزبناء تذوق الإفطار في جو جيد وبأسعار معقولة.
الفنادق تواجه نفس المصير
وبالعودة للفنادق، تجدر الإشارة إلى أن هذا الانخفاض يشمل الفنادق التي تقدم أيضا عروضا متعددة لزبنائها كل سنة.
وفي هذا الصدد، أكد محمد الساوتي، رئيس جمعية الصناعة الفندقية بالدار البيضاء والجهة، أنه يلاحظ أن المغاربة ليسوا حريصين على الاقبال على القوائم أو العروض التي تقدمها الفنادق خلال النصف الأول من شهر رمضان، قائلا “مع العلم أننا بذلنا قصارى جهودنا لجذب الزبناء”.
وعن أسباب هذا الوضع يستحضر المتخصص إلى جانب المتحدث السابق، ارتفاع الأسعار وتأثيره على القوة الشرائية للمواطنين.
رئيس الجمعية يوضح أنه ”بسبب ارتفاع الأسعار، لم يعد المغاربة يسمحون لأنفسهم بتحمل هذا النوع من الخدمات، لا سيما عندما يتعلق الأمر بأسرة كاملة”.
بالإضافة إلى هذا العامل، يقول متحدتثا “نلاحظ، حقيقة أن الأسعار التي تفرضها الفنادق قد ارتفعت نسبيا. تتراوح في مدينة الدار البيضاء بين 300 و600 درهم. لكن يجب أن نعلم أن الفنادق تأثرت أيضا بارتفاع أسعار المواد الغذائية وأنه كان عليها التكيف مع هذا الوضع”، يستطرد بالقول.
