حديقة الحيوانات بالرباط.. للترفيه والتعلّم

جانب من الحديقة الوطنية للرباط (ت:كرتوش)
حجم الخط:

تستقبل حديقة الحيوانات الإيكولوجية بالرباط المئات من الزوار، يوميا، يأتون إليها من كل مكان من المملكة، ومن الرباط والمدن المجاورة على الخصوص، من أجل إشباع فضولهم بمشاهدة أصناف عديدة من الحيوانات النادرة، التي يحتضنها فضاء الحديقة الجديدة.

“المغربية” زارت هذه الحديقة النموذجية على الصعيد الإفريقي، وقامت بجولة بين أنظمتها الأيكلوجية الخمسة، وعاينت عن قرب كيف يتم الاعتناء بها والسهر على توفير شروط العيش الطبيعية لها لضمان بقائها، كما أجرت حوارا مع مديرة الشؤون العامة والتجارية بالحديقة، وتحدثت لصديق الحيوانات المفترسة، الذي قضى 34 سنة من عمره في خدمة الفهود وقردة الشمبانزي والثعابين.

بعيدا عن التصميم التقليدي المتعارف عليه، المتمثل في عرض الحيوانات داخل الأقفاص الحديدية بحدائق الحيوانات، صُممت حديقة الحيوانات الايكولوجية الجديدة بالرباط على مفهوم الفضاء المفتوح، الذي يمكن من عرض الحيوانات البرية في كامل حريتها وكأنها في مواطنها الأصلية، ما يسمح للزوار بالاندماج والغوص في الوسط الطبيعي لعيش هذه الحيوانات.

إن جولة بين الأنظمة الأيكولوجية الخمسة المخصصة لعرض الحيوانات حسب أصنافها، وهي الغابة الاستوائية، والسفانا، والصحراء، وجبال الأطلس والمناطق الرطبة المشكلة من المستنقعات”، ستحملك في رحلة تجعلك للوهلة تظن أنك فعلا بالمواطن الأصلية للحيوانات، التي تعيش فيها، والحقيقة أن الأمر يتعلق بأنظمة اصطناعية صممت من طرف خبراء أجانب متخصصين في هذا المجال، وجرى الاعتماد على خيار التركيز على أصناف النباتات والحيوانات البرية، التي تنتمي إلى القارة الإفريقية بصفة عامة، والمغرب على وجه الخصوص، كأسد الأطلس، والخراف البربرية، وأبو منجل الأصلع، حيث يؤوي المغرب آخر هجراتها البرية القابلة للحياة في العالم.

وصممت مآوي هذه الأصناف بشكل يشابه بيئتها الأصلية، لتهيئة ظروف الحياة الأصلية نفسها وتمكين هذه الحيوانات من ممارسة سلوكها الطبيعي كما لو في البرية.

أصناف الحيوانات

وضعت الحيوانات بالأنظمة الأيكولوجية للحديقة حسب نوعها، ولهذه الغاية وُضع على مدخل كل نظام أيكولوجي لوحة تحمل اسمها، فهناك جبال الأطلس، وتمثل هذه الأخيرة منظومة الأطلس المتوسط يحده تلان اصطناعيان إضافة إلى هضيبات صخرية، ويضم هذا المجال أنواعا حيوانية من أصل مغربي، خاصة الوحيش الذي يمثل الموروث الحيواني المغربي، كأسد الأطلس والقرد زعطود، والأروي، والفهد، وحيوانات أخرى.

وهناك معرض الغابة الاستيوائية، التي تقع في وسط المستنقعات وتتكون من مناظر طبيعية في شكل غابة كثيفة ذات أشجار استوائية الأصل. وبهذا الفضاء، يمكن الاستمتاع بجميع الأصوات والروائح الخاصة بهذا النوع من الغابات.

كما أنه يتيح للزائر فرصة اكتشاف المشاهد الخاصة بحيوانات هذه البيئة، التي تتشكل من أصناف عديدة من الحيوانات، منها الميمون، وقرد الليمور المخطط، وأنواع من الطيور الموجودة في قفص كبير، والشمبانزي، وهو نوع من القردة الذكية التي أصبحت أليفة مع المعالج الذي يعتني بها وبإطعامها، فضلا عن أنواع أخرى من الحيوانات.

وبمعرض السفانا الإفريقية، تتعايش مجموعة من أصناف الحيوانات، كالفيلة والأسود والفهود، والزرافات، ووحيد القرن، وقردة البابون، ونعامات إفريقيا، بشكل متوازن تجعل من هذه المنظومة مجالا للتعايش بين هذه الحيوانات في انسجام تام.

أما بخصوص النظام الأيكولوجي الصحراوي، فقد صُمم بشكل مستنسخ لمناظر طبيعية رملية وصخرية بشكل يصور للزائر حالات الجفاف والقحولة القصوى. ويعرض هذا الفضاء مختلف أصناف الحيوانات المنتمية للبيئة الصحراوية، وكذلك مختلف أنواع ظباء الصحراء، بينها الغزلان والمها)، مع إيلاء أهمية خاصة للأصناف النادرة والمعرضة لخطر الانقراض داخل المجال الصحراوي، مثل النعام أحمر الرقبة، السحالي الصحراوية وغيرها.

وهذه الأنظمة الأيكولوجية الصحراوية الغنية والحساسة تعمل بشكل دائم على تذكير الزوار بهشاشة التوازنات البيئية، وبالحاجة الملحة لضمان الحفاظ عليها.

أما بالنسبة للنظام الأيكولوجي الخامس والأخير، فيهم المستنقعات أو المناطق الرطبة، وهنا يبدأ استعراض المستنقعات بتقليد حياة الجاموس الإفريقي، والطيور المائية والتماسيح وغيرها.

ويمكن للزائر الولوج في البنية المخصصة للمراقبة ليجد نفسه من خلال لوحة نافذة زجاجية وجها لوجه مع فرس النهر والتماسيح، ما يسمح للزائر بالاقتراب أكثر من هذه الحيوانات التي لا يمكن رؤيتها إلا في القنوات الفضائية المخصصة للحيوانات.

معلومات مهمة
وضعت إدارة الحديقة لوحات بالقرب من كل صنف من هذه الحيوانات بكل الأنظمة الأيكولوجية تحمل معلومات مهمة حول صنف الحيوان ونوع تغذيته ومدة حياته ووزنه، والأهم من ذلك إن كان مهددا بالانقراض أو غير مهدد.

وتبين من خلال الجولة التي قامت بها “المغربية” داخل الحديقة الجديدة أن هناك مجموعة من الحيوانات مهددة بالانقراض، كوحيد القرن الأبيض، والكلب الإفريقي المبقع، والقرد الأحمر، والكوبرا المصرية، وهي من فئة الزواحف، فصيلة الأفعويات، وهذه الأخيرة مهددة بشكل ضعيف.

تجهيز الحديقة

تتميز الحديقة الأيكلوجية بإحداث تجهيزات ومنشآت عصرية، من قرية للزوار، وضيعة تعليمية، ومرافق صحية وإدارية، ومصحة بيطرية، ومسجد، وموقف للسيارات، وممرات خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، وقاعات للمحاضرات، ومقاه ومطاعم، ضمن “فضاء أخضر”، من شأنها أن تتيح للزوار كل وسائل الترفيه والاستجمام. كما أن الساهرين على الحديقة يحرصون على نظافتها المستمرة ويحثون الزوار على ذلك، حيث وضعت لافتات تحسيسية بأهمية الحفاظ على بيئة نظيفة.

كما وضعت حاويات للنفايات بمختلف الممرات وبالقرب من المطاعم لكي يضع فيها الزوار مخلفات وجبات الأكل التي يجلبونها معهم، أو التي يشترونها من بعض المحلات الصغيرة المتخصصة في إعداد وجبات خفيفة بداخل الحديقة.

إقبال مستمر

رغم أن الإقبال على حديقة الحيوانات الأيكولوجية موسمي، ويختلف من يوم إلى آخر، ومن فصل إلى آخر من فصول السنة، إلى أنه لا ينقطع، حسب ما سجلته إدارة الحديقة، ما عدا في الأيام الممطرة.

يأتي الزوار للاستمتاع بعالم الحيوانات من خلال القيام بجولة بين أنظمتها الأيكلوجية ومناظرها الطبيعية، التي تحملك في كل مرة إلى العالم لا يشبه الذي قبله، فمرة تظن نفسك في الأدغال الإفريقية، حين ترى الفهود والفيلة والأسود والزرافات، وأحيانا أخرى تتخيل نفسك وكأنك في صحراء قاحلة، رمالها الساخنة تخبئ بين طياتها ثعابين مختلفة.

في الواقع لا يمكن لزائر الحديقة أن يمل ولو لحظة وهو يتنقل بين أنظمتها الأيكولوجية وهذا ما عبر عنه عدد من الزوار الذين التقت بهم “المغربية”، بل إنهم يكررون المجيء إليها كلما رغبوا في تغيير الروتين اليومي لحياتهم، خاصة وأنها أصبحت متنفسا لسكان الرباط والمدن المجاورة التي تفتقر في الغالب لفضاءات ترفيهية.

التربية على البيئة

تتنوع فئات زوار الحديقة، فليست العائلات فقط من تقصد الحديقة للترويح عن نفسها، بل هناك فئة أخرى تتعلق بالمتمدرسين. فخلال زيارة “المغربية” للحديقة، صادفت وفودا لمجموعات مختلفة من التلاميذ من مستويات تعليمية مختلفة ومن مدارس مختلفة، قدموا في رحلة نظمتها المدارس التي يدرسون فيها من أجل تقريبهم من عالم الحيوانات وتقديم شروحات لهم حول نوعها وطبيعة غذائها وفصيلتها، وفي الوقت ذاته توعيتهم بأهمية الحفاظ على البيئة وعلى الثروة الحيوانية في الطبيعة.

وأوضحت مرافقة لأحد وفود التلاميذ أن هناك دروسا تُقدم للتلاميذ حول الطبيعة وأهمية الحفاظ عليها من التلوث وعلاقتها بالحفاظ على الثروة الحيوانية، وأن هناك دروس أخرى حول أصناف بعض الحيوانات وبيئتها الأصلية، التي تعيش فيها وكل ما يتعلق بها، يتم تقديمها لهم، إما بعرضها مصورة على شكل أفلام وثائقية أو من خلال صور عادية.

وأضافت المرافقة أن عرض هذه الحيوانات بحديقة الرباط في فضاءات طبيعية كأنها في موطنها يفيد التلاميذ أكثر، لذا فإن العديد من المؤسسات التعليمية تنظم باستمرار مثل هذه الزيارات للتلاميذ بمختلف مستوياتهم التعليمية، لكي يتعرفوا على هذه الحيوانات عن قرب وعن أنواع تغذيتهم وأنواع النباتات الإفريقية.

كانت الفرحة بادية على الأطفال وهم يتزاحمون في ما بينهم للاقتراب أكثر من الحواجز التي وضعتها إدارة الحديقة حفاظا على سلامة الزوار والحيوانات، يلتقطون لها الصور ويسجلون المعلومات المتعلقة بها.

وبهذا الخصوص، قالت سارة، تلميذة في قسم السادس ابتدائي، “إن المعلمة طلبت منا بعد انتهاء الزيارة أن نقوم بإنجاز تقرير حول هذه الرحلة”، مضيفة بابتسامة عريضة أنها سعيدة لأنها المرة الأولى التي تأتي إلى حديقة الحيوانات وترى الحيوانات عن قرب”.

العناية بالحيوانات

توفر الحديقة كل شروط العيش الضرورية للحيوانات من الطعام، الذي يختلف من صنف إلى آخر، والتطبيب والنظافة والمراقبة المستمرة.

وبهذا الخصوص، أوضحت منال الغوات، المكلفة بالتواصل بإدارة الحديقة خلال مرافقتها لـ”المغربية”، أن الحديقة تشغل 30 معالجا يسهرون على الحيوانات وعلى إطعامها ومراقبتها طوال الوقت، وكل معالج يعتني بصنف أو أصناف معينة، منهم من كانوا يشتغلون في الحديقة القديمة بتمارة، إلى جانب ثلاثة أطباء بيطريين متخصصين في علاج كل أصناف الحيوانات الموجودة بالحديقة.

وأشارت إلى أنه في حال ظهرت على أي من هذه الحيوانات أعراض غير طبيعية، فإن المعالج يخبر الطبيب، وهذا الأخير يقوم بفحصه على الفور.

سلامة الزوار

توفر إدارة الحديقة كل وسائل الأمن والسلامة بمختلف الأنظمة الأيكلوجية، سواء بالنسبة إلى الزوار أو الحيوانات، من خلال وضع سياج من الزجاج السميك، وأسلاك كهربائية، وحواجز مائية.

كما وضعت الإدارة إشعارا عند المدخل الرئيسي وفي عدة زوايا متفرقة من الحديقة، تنبه في الزوار من عدم جلب المأكولات داخل الحديقة، وعدم إدخال الحيوانات الأليفة وأواني المطبخ أو وسائل التنقل أو آلات الموسيقية أو مكبرات الصوت إلى الحديقة. كما تحذر من الدخول إلى حظيرة الحيوانات أو رمي أي غرض داخلها.

مرافق ترفيهية

توجد بالحديقة الوطنية للرباط مرافق مخصصة للترفيه من خلال المطاعم والمقاهي ومرافق أخرى تعرض فيها خدمات للزوار، ومن أهم مهام هذه الأخيرة، حسب المسؤولين بها، عرض جملة من الحيوانات بطريقة متميزة في مواطن تحاكي المنظومات الطبيعية، مع تشجيع البحث العلمي وتحقيق التنمية المستدامة ودعم التربية البيئية، بهدف جعل الزائر يفهم التفاعلات المعقدة بين النباتات والحيوانات من جهة، وبين التربة والظروف المناخية المسؤولة عن ديمومة الحياة من جهة أخرى.

الحديقة الوطنية للحيوانات بالرباط استقبلت حوالي مليون ونصف زائر

أجرت الحوار:عزيزة الغرفاوي

كشفت سلمى السليماني، مديرة الشؤون العامة والتجارية بالحديقة الوطنية للحيوانات بالرباط، أن الحديقة الأيكولوجية “استقبلت منذ افتتاحها سنة 2012 حتى الآن ما يقدر بمليون ونصف زائر”، مشيرة إلى أن الزيارات تبقى خاضعة لتغيرات موسمية، حيث تعرف أيام العطل ونهاية الأسبوع إقبالا مكثفا ما عدا الأيام الممطرة.

وأضافت السليماني، في حوار خصت به “المغربية”، أن الحديقة منذ إنشائها سطرت أربعة أهداف لبلوغها، أولها خلق فضاء مفتوح بالنسبة للزائرين وإغناء المشهد السياحي والثقافي للعاصمة، وكذا توفير تجربة ترفيهية استكشافية تسمح بالتعرف عن غنى التنوع البيولوجي للنظم البيئية المغربية والإفريقية، إلى جانب التربية البيئية والتحسيس بالأهمية الإيكولوجية، الذي يستهدف الناشئة بالدرجة الأولى.

وأشارت السليماني إلى أن الحديقة تضم 1500 حيوان من 120 صنفا حيوانيا من الوحيش الإفريقي والصحراوي والمغربي.

بعد حوالي سنتين من افتتاح حديقة الحيوانات، هل حققت الحديقة الأهداف التي أنشأت من أجلها؟

منذ إنشائها، سطرت حديقة الحيوانات بالرباط أربع مهام أساسية لبلوغ أهدافها، أولها خلق فضاء مفتوح بالنسبة للزائرين وإغناء المشهد السياحي والثقافي للعاصمة، وكذا توفير تجربة ترفيهية استكشافية تسمح بالتعرف على غنى التنوع البيولوجي للنظم البيئية المغربية والإفريقية.

إلى جانب هذا الدور، تعتمد الحديقة برنامجا للتربية البيئية والتحسيس بالأهمية الإيكولوجية والذي يستهدف أولا الناشئة عبر دورات تحسيسية موجهة إلى المدارس والجمعيات التربوية. وتم إلى حد الآن تنظيم أكثر من 200 ورشة تعليمية لفائدة هذه المؤسسات.

كما تنخرط الحديقة الوطنية بالرباط في برنامج المحافظة على الموروث الطبيعي من الوحيش المغربي بتكوين نواة من الحيوانات الأصلية، وخاصة المهددة بالانقراض، والعمل على برنامج توالدها وتكاثرها حتى نتمكن من إعادة استيطانها، أولا داخل المحميات الطبيعية الموجودة عبر التراب الوطني، ثم إدخالها في مواطنها الطبيعية الأصلية، وأخص بالذكر فصائل الظباء الصحراوية التي خضعت إلى عدة تجارب لإعادة استيطانها بجنوب المغرب، والتي توجت بالنجاح.

إلى جانب ذلك، نثمن دور البحث العلمي في وضع أرضية للعمل التقني والعلمي مع جامعات ومؤسسات مختصة لإغناء المعلومات والتجارب في كل ما من شأنه أن يُعَمِّقَ المعارف في مجال الوحيش وسبل المحافظة عليه.

ما هي نسبة إقبال الزوار على الحديقة؟

تم استقبال ما يقدر بمليون ونصف زائر منذ افتتاح الحديقة الوطنية بالرباط سنة 2012. وتبقى الزيارات خاضعة لتغيرات موسمية حيث تعرف أيام العطل ونهاية الأسبوع إقبالا مكثفا ما عدا الأيام الممطرة.

وتُمكننا استطلاعات الرأي التي نقوم بها من القول إن الزوار يقدرون المقاربة التي اعتمدتها الحديقة بإحداث مجالات طبيعية مفتوحة تختلف عن الحدائق التقليدية، التي تعرض فيها الحيوانات داخل الأقفاص، بالإضافة إلى توفر وسائل الترفيه والمطاعم داخل الحديقة، والتي تمكن الزوار من قضاء يوم كامل داخل فضاء مفتوح وطبيعي فريد من نوعه.

ألا تعتقدين أن ثمن تذاكر الولوج للحديقة يحرم الفئة البسيطة من المجتمع من زيارتها؟

هدفنا الأساسي هو خلق التوازن الذي يأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية للزائر وفي الوقت نفسه تأمين مستوى الخدمات من حيث النوعية التي تتطلب، ولا يخفى عليكم قدر الإمكانات المادية الضرورية من أجل المحافظة على مستوى الخدمات التي توفرها الحديقة، والقيام بعمليات الصيانة، وتنويع العرض، وكذا احترام معايير الأمن وسلامة الزوار، لا من ناحية البنيات التحتية ولا من ناحية التأطير الذي يقوم به العاملون داخل الحديقة.

وعلى هذا الأساس، فإن الاستراتيجية الأسعار المعتمدة لكل نظام تسعيري هدفين، الهدف الأول هو الطاقة الشرائية للوافدين وتمكين كل شرائح المجتمع للولوج إلى هذه المؤسسة، ومن جهة أخرى ضمان مستوى للمداخيل يمكن من توفير خدمات الصيانة وتسيير المنشآت والرصيد الوحيشي ومراعاة معايير السلامة والحفاظ، بل وتطوير نوعية المعارض وجودة مختلف المرافق.

وانطلاقا من هذا المنظور، وبعد دراسة معمقة وضعت استراتيجية للأسعار مكنت من إحداث أكثر من 12 فئة سعرية خاصة بكل من الأفراد والأطفال والعائلات والمجموعات تختلف باختلاف عدد الأفراد وباختلاف أوقات الزيارة، بالإضافة إلى تخفيضات مهمة تُنظم في بعض المناسبات أو في إطار الاتفاقيات التي نوقعها مع جمعيات الأعمال الاجتماعية لعدد من المؤسسات العمومية والخاصة لتمكين جميع شرائح المجتمع من ولوج الحديقة.

كيف تتم عملية جلب الحيوانات إلى الحديقة؟ وكيف تتم العناية بها؟

ما يميز حديقة الحيوانات بالرباط هو هيكلتها على شكل خمسة نظم بيئية تعكس المَوَاطِن الأصلية لما يفوق عن 1500 حيوان من 120 صنفا حيوانيا من الوحيش الإفريقي والصحراوي والمغربي في فضاء يروم خلق تفاعل مستمر ما بين الحيوانات ووسطها في الحديقة.

وعلو هذه النظم البيئية الخمس هي جبال الأطلس، والسافانا الإفريقية، والنظام الصحراوي، والمناطق الرطبة، والغابة الاستوائية، بالإضافة إلى ضيعة تعليمية هدفها تقريب الزوار الصغار من مبادئ العيش في البادية ومصادر إنتاج بعض المواد كالحليب والصوف.

وتماشيا مع الاستراتيجية التي وضعتها الحديقة القائمة على تجديد العرض وإثراء التشكيلة الحيوانية، هناك عمل دؤوب للانخراط في شبكة الحدائق العالمية وتأسيس نظام تبادل مع المؤسسات الأوروبية حسب الحاجيات وخاصيات وأصناف الحيوانات في إطار معاهدة سايتسCITES) )، التي وقع عليها المغرب سنة 1975 والتي تحدد ثلاث لوائح للأصناف الحيوانية مع المعايير اللازم احترامها في أية مبادلة بين الدول الأعضاء وداخلها بين المؤسسات المعنية.

وتخضع التشكيلة الحيوانية لعناية خاصة تعتمد على المعايير الدولية المفروضة من طرف الجمعية الدولية لحدائق الحيوانات(WAZA) حسب الخاصيات الفيزيولوجية والبيولوجية لكل صنف حيواني من ناحية النظام الغذائي، وكذلك من ناحية العناية الصحية التي يوفرها الأطباء البيطريون داخل المركز الاستشفائي الموجود داخل الحديقة، والذي يتوفر على المعدات الحديثة لمعالجة الحيوانات، حسب الشروط الصحية الجاري بها العمل دوليا.

هل لدى الحديقة استراتيجية معينة لتطوير أدائها وتوسيعها مستقبلا لجلب أكبر عدد ممكن من الزوار؟

استراتيجينا تقوم على عدة محاور لتنويع العرض داخل الحديقة من جهة، والعمل على إعلامِ أكبر عدد من الزوار بالعروض التي نقدمها من جهة ثانية. وننهج في هذا الإطار استراتيجية تقوم على توافق العرض مع طلبات الزوار وارتساماتهم التي نستقيها من خلال الاستفسارات، وعلى تراكم خبرة الحديقة منذ إحداثها في مجال الترويج وكذا على أساس المعلومات المتوفرة من خبرة المؤسسات الدولية المشابهة للحديقة الوطنية بالرباط في هذا المجال.

وأذكر على سبيل المثال منتج العين للحياة البرية في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، ومتحف التاريخ الطبيعي بباريس، وحديقة هانوفر بألمانيا، لأجل التطوير المستمر للحديقة، وتحسين مستوى الخدمات على أكبر نطاق.

ونسعى في بادئ الأمر إلى إغناء التشكيلة الحيوانية والتعريف بها وبالنظم البيئية الموجودة بها عبر لوحات التشوير داخل الحديقة وعبر أنشطة تربوية وترفيهية نقوم بها، والتي تختلف باختلاف أعمار الزوار، أبسطها هو الشروحات التي نقدمها عند أوقات تغذية بعض الحيوانات للتعريف بالفصيلة الحيوانية ونظامها الغذائي كحيوانات السرقاط والشامبنزي والفهود..

وهناك أيضا عروض الصقور والزواحف وألعاب الميم مع الأطفال للتعريف بخاصيات بعض الحيوانات وغيرها، والتي تنظم في بعض المناسبات والاحتفالات بالأيام الدولية الخاصة بالشأن البيئي التي تحظى بتجاوب عدد كبير من الزوار. وفي شق ثان، نقوم بحملات إشهارية عبر قنوات التلفزة الوطنية وعبر الصحف للترويج للحديقة للوصول إلى أكبر عدد من الزوار المغاربة والأجانب.

حكاية حب بين زروال والحيوانات المتوحشة

بعتبر المعالجون بحديقة الحيوانات الإيكولوجية أحد العناصر الأساسية بالحديقة، فهم من يعتني بالحيوانات، ويسهر كل واحد من هؤلاء على أصناف محددة، منهم من التحق حديثا بالحديقة، ومنهم من كان يشتغل بالحديقة القديمة، مبارك زروال واحد من هؤلاء المعالجين، يعتني بالحيوانات الخطيرة والمفترسة، كالفهود، والقردة من نوع شمبانزي، والثعابين..

زروال رجل في عقده الخامس، ولج عالم الحيوانات وتدريبها في سن السادسة عشر من عمره، وكانت البداية بالثعابين، ونظرا لحبه الكبير للحيوانات، التحق بحديقة الحيوانات القديمة بتمارة، التي اشتغل بها مدة 34 سنة، وبعد أن أغلقت سنة 2012 التحق بالحديقة الجديدة بالرباط، ليلتقي بحيوانات من أصناف وبيئات طبيعية إفريقية مختلفة.

ونظرا لتجربته الطويلة في التعامل مع الحيوانات بمختلف أصنافها، خاصة المتوحشة وتدريبه لها، اختار في الحديقة الجديدة أن يسهر على هذا النوع من الحيوانات، من بينها الفهود، والقردة من نوع شمبانزي الضخمة، والثعابين، وأنواع أخرى.

زروال هو الوحيد داخل الحديقة الذي يمكنه أن يلاقي هذه الحيوانات الخطيرة، يطعمها وينظف مكان نومها، يلامسها وأحيانا يتحدث إليها، وهي تفهم لغته، كما فعل مع قردة الشمبانزي الذكية خلال زيارة “المغربية”، التي وقفت على ذلك. ُيطلق على كل قرد من هؤلاء اسما معينا، وحين ينادي الواحد منهم يجيبه بطريقته الخاصة من خلال الإشارات باليد.

ثلاثة قردة لها علاقة خاصة به، وهم “كلاي” و”شمبانزي” و”طرزان”، هذه الأخيرة بمجرد ما رأته يحمل الفواكه بدأت تشير بيدها طلبا للأكل، وكان أحدهم متمردا ومشاكسا وهو “شمبانزي”، حيث إنه كلما تأخر في مده بالفواكه عمدا لاستفزازه، يأخذ بعض الحجارة الصغيرة أو العيدان ويصوبها نحوه ونحو الزوار الذين كانوا منبهرين بهذه العلاقة الفريدة من نوعها.

ليست القردة وحدها التي لها علاقة ودية مع زروال، الفهود أيضا تحبه كثيرا، يلامسها ويربت على ظهرها ويعانقها وكأنه يعانق طفلا، وهي تفعل ما يطلبه منها.

يحكي زروال أن الفهدين تم استقدامهما من دولة الإمارات العربية المتحدة، وأنه هو من رافقهما خلال إحضارهما إلى الحديقة.

لكن قبل ذلك ظل معهم في الإمارات لمدة أسبوعين تعرف فيها عليهما وتمكن من خلق الألفة بينه وبينهما دون اللجوء إلى بعض الأساليب لتخويفهما، كالضرب مثلا، كما يفعل مروضو حيوانات “السيرك”، وهذا أمر ممنوع كليا.

يقول زروال إنه يحب الحيوانات مثل حب أي أب لأبنائه، ونظرا لخبرته الكبيرة ولحبه القوي للحيوانات، فإنه يدخل لأي فضاء من فضاءات الحيوانات المتوحشة دون خوف.

في الحديقة عاينته “المغربية” وهو يلاعب فهدين وكأنه يلاعب أطفالا صغارا، لا يخاف منها وهي بدورها لا تخاف منه، لكن الأكيد أن أي أحد غيره دخل فضاء الفهود لن يلاق الترحيب نفسه..

ونظرا لخبرته الطويلة حول كيفية التعامل مع الحيوانات المفترسة على الخصوص، فإنه كان محط أنظار العديد من المخرجين في مجال السينما والتلفزيون، إذ شارك في عدة أفلام وثائقية حول الحيوانات، مثل “أمودو”، الذي تقدمه القناة الأولى، وأفلام سينمائية متعددة يحتفظ بها في أرشيفه الخاص.