حينت المندوبية السامية للتخطيط في مذكرة إخبارية صادرة عنها حول الوضعية الاقتصادية للسنة الماضية، معدل النمو الاقتصادي نحو الارتفاع إلى 3.4 في المائة، عوض 3.2 في المائة المعلن عنه خلال وقت سابق، ما يمثل مستجدا إيجابيا بالنسبة إلى مؤشرات المالية العمومية، حيث سيؤثر بشكل مهم على مستوى المديونية وعجز الميزانية والحسابات الجارية.
وأظهرت نتائج الحسابات الوطنية للفترة ذاتها أن النمو الاقتصادي الوطني سجل تحسنا بلغ 3.4 في المائة، عوض 1.5 في المائة خلال 2022، فيما سجلت كل من الأنشطة غير الفلاحية والنشاط الفلاحي بالحجم ارتفاعا بنسبة 3.5 في المائة و1.4 في المائة على التوالي، حيث شكـل الطلب الداخلي قاطرة للنمو الاقتصادي في سياق اتسم بارتفاع قوي للتضخم وتخفيف الحاجة إلى تمويل الاقتصاد الوطني.
وربطت مندوبية التخطيط دينامية النمو الاقتصادي بالأنشطة غير الفلاحية، حيث سجلت القيمة المضافة للقطاع الأولي بالحجم ارتفاعا بنسبة 1.6 في المائة خلال السنة الماضية، بعد انخفاض قوي بلغ 11.8 في المائة في 2022، موازاة مع تطور أنشطة القطاع الفلاحي بنسبة 1.4 في المائة، بدل انخفاض بنسبة 11.3 سنة من قبل، ونمو أنشطة الصيد البحري بنسبة 7 في المائة، مقابل تراجع بنسبة 20.8 في المائة.
محركات النمو
أبانت الأرقام المحينة للمندوبية السامية للتخطيط عن تطور القيمة المضافة للقطاع الأولي بنسبة 1.6 في المائة، والقيمة المضافة للقطاع الثانوي بنسبة 1.3 في المائة، مقابل تباطؤ القيمة المضافة للقطاع الثالثي، حيث انتقل معدل نموه من 6.8 في المائة إلى 4.4 في المائة بين 2022 و2023، لتحرز القيمة المضافة للأنشطة غير الفلاحية في المجموع تحسنا طفيفا بنسبة 3.5 في المائة، مقابل 3.4 في المائة خلال السنة ما قبل الماضية.
وأوضح محمد العناية، محلل اقتصادي ببنك للأعمال في الدار البيضاء، في تصريح لجريدة النهار، أن استقراء المؤشرات الماكرو اقتصادية للمملكة خلال السنتين الماضيتين، يكشف توجها جديدا في السياسات العمومية نحو تعزيز التنوع الاقتصادي، في سياق إيجاد التوازن المطلوب، بعد تراجع القيمة المضافة للقطاع الفلاحي بشكل كبير، بسبب استمرار توالي سنوات الجفاف ومشاكل التزود بالماء، مؤكدا أن تطوير الأنشطة غير الفلاحية ساعد على تقليل الاعتماد على الفلاحة، ما قلص من حجم المخاطر الاقتصادية المرتبطة بتقلبات المناخ وأسعار المنتجات الفلاحية في الأسواق العالمية.
وتابع العناية معلقا على مضامين المذكرة الإخبارية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، بأن تنويع الأنشطة الاقتصادية يساعد على خلق اقتصاد أكثر استدامة وقوة، حيث تتوزع مصادر الدخل على قطاعات متعددة، ما يعزز من القدرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية، منبها في السياق ذاته إلى ضرورة أن تعيد الحكومة النظر في نجاعة سياساتها التي تستهدف تحسين النمو الاقتصادي، بحيث ينعكس تطور القيمة المضافة للأنشطة غير الفلاحية على تسريع وتيرة إحداث مناصب الشغل، ذلك أن استمرار تنامي معدلات البطالة يكشف عن خلل في هذا الشأن.
الطلب الداخلي
أشارت الوثيقة الجديدة الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط إلى ارتفاع الطلب الداخلي بنسبة 3.3 في المائة خلال السنة الماضية، مقابل انخفاض بنسبة 1.2 في الماء خلال 2022، مع مساهمة إيجابية في النمو الاقتصادي الوطني بلغت 3.7 نقطة، عوض مساهمة سلبية بـ 1.3 نقطة سنة من قبل، مؤكدة ارتفاع نفقات الاستهلاك النهائي للأسر وللمؤسسات غير الهادفة للربح في خدمة الأسر بنسبة 3.9 في المائة، عوض استقرار، مع مساهمة إيجابية في النمو الاقتصادي بلغت 2.4 نقطة.
وأفاد رشيد قصور، خبير اقتصادي متخصص في المالية العمومية، في تصريح لجريدة النهار، بأن تطور الطلب الداخلي لعب دورا مهما في تحسين معدل النمو الاقتصادي، موضحا أن تأثيره ظهر من خلال زيادة الاستثمار، التي أدت إلى تطور الإنتاجية، كما ساهم في تحسين وتيرة الاستثمارات في البنية التحتية والتكنولوجيا، ما عزز الكفاءة الاقتصادية وحفز النمو خلال أغلب أشهر السنة، مشيرا إلى أن الاستهلاك الخاص شكل الجزء الأكبر من الطلب الداخلي، حيث تطور دخل الأفراد وزاد حجم إنفاقهم خلال السنة الماضية، ما حفز النمو الاقتصادي بالنتيجة.
ونبه قصور إلى مؤشر مهم في المذكرة الإخبارية لمندوبية التخطيط، يتعلق بالحاجة إلى تمويل الاقتصاد، معتبرا أن تراجعه من 3.6 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي في 2022 إلى 0.6 خلال السنة الماضية، مرتبط بارتفاع الناتج الداخلي الإجمالي بالقيمة بنسبة 10 في المائة، وتطور صافي الدخول المتأتية من بقية العالم بنسبة 7.5 في المائة، مشيرا إلى أن إجمالي الدخل الوطني المتاح سجل نموا مهما قفز إلى 9.7 في المائة، أي ما قيمته 1576 مليار درهم.
وختم الخبير الاقتصادي بالتأكيد على أهمية نجاح الحكومة في السيطرة على مستويات التضخم خلال السنة الماضية، مقارنة مع 2022، باعتبار أن تطور الطلب الداخلي بشكل كبير دون زيادة مماثلة في العرض يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التضخم، ما يضر بالنمو الاقتصادي على المدى الطويل.