خلص قرار محكمة العدل الدولية إلى “ضرورة اتخاذ إسرائيل كل التدابير التي في وسعها من أجل منع وضمان عدم حدوث إبادة جماعية في قطاع غزة، مع اتخاذ إجراءات لتحسين الوضع الإنساني، وتقديم تقرير في غضون شهر”، وسط تساؤلات حول ما مدى التزام تل أبيب بهذه الأوامر.
وحظي القرار بإشادة من حركة حماس الفلسطينية، التي قالت إنه “يفضح جرائم الاحتلال الصهيوني”، فيما أكد الاتحاد الأوروبي أن “هذا القرار ملزم لإسرائيل”، في وقت شدد فيه بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، على “استمرار الحرب”.
قرار محكمة العدل الدولية بخصوص التدابير الاستعجالية التي طالب بها الوفد الجنوب إفريقي في انتظار البت في مدى ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في حق الفلسطينيين، شدد على أن بعض النقاط “تعد منطقية”.
ومع تجاوزها المائة يوم، تتصاعد الأسئلة حول سبل وقف حرب إسرائيل على قطاع الغزة، وما إن كانت إسرائيل ستحرص على منع استهداف المدنيين وتهجيرهم من القطاع أم ستواصل استراتيجيتها إلى وقت طويل.
إسرائيل والتحليق فوق القانون الدولي
جمال الشوبكي، سفير دولة فلسطين المعتمد لدى المملكة المغربية، وصف قرار المحكمة بأنه “تاريخي”، معللا ذلك بكون “تل أبيب وضعت في قفص الاتهام وطولبت بمجموعة من الإجراءات المهمة”.
وقال الشوبكي، ضمن تصريح لجريدة النهار، إن “القرار كان ينتظر منه أن يحمل أوامر بالوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، كما أن مهلة شهر تعطي للعدوان الإسرائيلي الضوء الأخضر لمواصلة الإبادة”.
وشدد السفير الفلسطيني بالمملكة المغربية على وجود “انحياز غربي واضح لإسرائيل في حرب غزة، حيث هنالك عقوبات ضد فلسطين بدون دلائل، في حين إن تل أبيب ترتكب مجازر يومية بدون حساب”.
وعن مدى التزامها بما جاءت به محكمة العدل الدولية، أجاب الديبلوماسي الفلسطيني بأن “إسرائيل تحاول دائما أن تكون فوق القانون الدولي بعد ضمانها للفيتو الأمريكي في مجلس الأمن”.
وأضاف الشوبكي أن “محكمة العدل الدولية يجب أن تتابع إسرائيل بشكل يومي، حتى تتم إدانتها بالإبادة الجماعية”، مبينا أن “قرارات المحكمة يجب أن تحترم من قبل تل أبيب، وهو ما سيؤدي إلى وقف العدوان، خاصة وأن الحرب ليست بين جيشين، بل بين قوي وضعيف”.
وختم السفير الفلسطيني بأنه “لم يبق أمامنا كفلسطينيين في الوقت الحالي سوى التوجه، بدعم من المجتمع الدولي، في ملاحقة الاحتلال الإسرائيلي وإدانته حتى يتم تحقيق مطالبنا الإنسانية”.
قرار ملزم وإسرائيل مجبرة على تطبيقه
وأوضح رشيد باجي، خبير في العلاقات الدولية، أن “المادة 92 من ميثاق الأمم المتحدة حول هاته المحكمة اعتبرتها الأداة القضائية الرئيسة للأمم المتحدة ونظامها الأساسي جزء من الميثاق”.
وأورد باجي، في تصريح لجريدة النهار، أن “المحكمة تتولى الفصل طبقا لأحكام القانون الدولي في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها، وبالنسبة للقضية التي عرضت عليها وتقدمت بها دولة جنوب افريقيا لم تكن من قبيل تقديم رأي استشاري وإنما النظر في دعوى تتعلق بالإبادة الجماعية التي هي في صلب القانون الدولي الإنساني”.
وأبرز المتحدث أنه بعد قبول الدعوى (إسرائيل طالب برفض الدعوى)، “أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة والتحريض عليها، ومن خلال قراءة هذه الفقرة يتبين أن المحكمة أقرت واعترفت بأن هناك إبادة جماعية وطالبت بإجراءات من أجل منعها، وهذا يشكل انتصارا قانونيا وأخلاقيا للشعب الفلسطيني، وانتكاسة للبروباغندا الإسرائيلية التي ما فتئت تروج لمسألة حقها في الدفاع عن النفس، وهو الادعاء الذي فندته محكمة العدل الدولية”.
وعن مدى إلزامية هذا القرار، أبرز الخبير في العلاقات الدولية أن “أحكام محكمة العدل الدولية، طبقا للمادة 60 من نظامها الأساسي، تعتبر ملزمة ونهائية. وبهذا، فإن إسرائيل ملزمة بتنفيذ ما قضت به المحكمة”، مشيرا إلى وجود إشكال من حيث التنفيذ بحكم أن المحكمة لا تتوفر على آليات تمكنها من تنفيذ أحكامها، كاشفا أنه “من أجل ذلك، خولت المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة لمجلس الأمن، بناء على طلب الطرف المتضرر، إذا رأى ضرورة لذلك، أن يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم، وهما سيطرح إشكالا آخر معقدا يتعلق بإمكانية الفيتو الأمريكي ضد قرار من هذا القبيل وإن كان الحديث عن هذا الأمر سابق لأوانه”.
من تداعيات هذا القرار، بحسب باجي، “تفكك التحالف الذي كان يؤيد إسرائيل في حربها على غزة، بداعي حقها في الدفاع عن نفسها وحقها في الوجود، على أساس أن عقيدة حركة المقاومة الفلسطينية هي إزالة إسرائيل وتحرير كل الأراضي المحتلة لما قبل نكسة 1948، وهذا التحول سيؤثر على الصورة التي حاولت إسرائيل رسمها لنفسها ونعت الطرف الفلسطيني بالإرهاب، مما سيجعلها خلال الأسابيع المقبلة أمام معركة دبلوماسية شرسة لثني حلفائها عن الوقوف موقف الحياد، ولا سيما الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا”.
وخلص المتحدث إلى أنه “أمام هذا القرار، وبغض النظر عن التصريحات الانفعالية للساسة الإسرائيليين، فإن الواقع السياسي سيتغير وستكون إسرائيل مضطرة لتغيير طريقتها في إدارة الحرب، وإن كانت حقا ستوقفها في الأمد القريب، إلا أنها قد تغير شكلها من اجتياح كامل إلى عمليات نوعية، وذلك لأن الطرف الأمريكي الذي يساندها بدون شروط سيجد نفسه إن استعمل حق الفيتو في مجلس الأمن أمام رأي عام أمريكي وعالمي قوي ومعارض للإبادة الجماعية التي تقع في غزة”.