نصف قرن من احتجاز سكان مخيمات تندوف/ العودة إلى الوطن باتت ملحّة

حجم الخط:

النهار المغربية- عبد اللطيف بركة

بعد مرور أكثر من خمسين سنة على احتجاز آلاف المغاربة في مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري، تلوح اليوم في الأفق فرصة تاريخية لعودة هؤلاء إلى وطنهم الأم، مستفيدين من التحولات الدولية والإقليمية التي أعادت التأكيد على واقعية مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، باعتبارها الإطار الأمثل والوحيد لإنهاء هذا النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

– من “الوطن غفور رحيم” إلى الحكم الذاتي: مسار إنساني وسياسي متكامل

منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني، كانت رسالة المغرب واضحة: الوطن غفور رحيم. بهذه المبادرة الإنسانية، فتح العاهل الراحل الباب أمام عودة المغرّر بهم في مخيمات تندوف إلى وطنهم وعائلاتهم. وقد استجاب العشرات حينها لهذه الدعوة، ففرّوا من جحيم الاحتجاز، رغم المخاطر التي كانت تتهددهم، إذ لم يتردد عسكر الجزائر وميليشيات “البوليساريو” في إطلاق الرصاص على من حاول الهرب، في انتهاك صارخ لأبسط حقوق الإنسان.

تلك المبادرة التاريخية لم تكن مجرّد شعار، بل كانت تعبيراً عن عمق إنساني وسياسي في مقاربة المغرب لهذا النزاع، الذي حرص فيه دائماً على تغليب منطق الحوار والمصالحة على منطق المواجهة والانقسام.

– قرار مجلس الأمن: مرحلة الحسم

اليوم، ومع القرار الأممي الأخير الذي وضع الأسس والمبادئ الكفيلة بإيجاد حل سياسي واقعي ودائم، تتأكد وجاهة الموقف المغربي وثبات رؤيته. فقد أعلن المغرب عزمه على تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، وتقديمها للأمم المتحدة باعتبارها الأساس الوحيد للتفاوض، وهو ما لقي ترحيباً واسعاً من المجتمع الدولي، الذي بات يرى في هذا المقترح الحل العملي والمستدام للنزاع.

– دعم دولي متنامٍ واعتراف واسع

في هذا السياق، أثنى جلالة الملك محمد السادس على جهود الدول التي تبنّت مواقف بنّاءة نصرةً للحق والشرعية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، التي اعترفت بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب، مما شكل تحولاً استراتيجياً في مسار القضية.

كما حظي المغرب بدعم متواصل من فرنسا، وإسبانيا، وبريطانيا، إلى جانب مواقف مشرفة من عدد كبير من الدول العربية والأفريقية التي أكدت، في كل المحافل، دعمها الثابت لمغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي كحلّ توافقي متوازن.

– تنمية الصحراء.. من التحرير إلى الازدهار

في مقابل الجمود الإنساني والسياسي في مخيمات تندوف، تشهد الأقاليم الجنوبية للمملكة نهضة تنموية غير مسبوقة، تجسّدها المشاريع الكبرى في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة والصيد البحري والتعليم، إلى جانب الأمن والاستقرار اللذين تنعم بهما مدن العيون والداخلة والسمارة.

هذه الدينامية جعلت من الصحراء المغربية نموذجاً في التنمية المندمجة، ومعبراً حقيقياً نحو عمق القارة الإفريقية، بفضل الرؤية الملكية التي تعتبر الأقاليم الجنوبية قاطرة تنمية وطنية وإفريقية.

– الاحتفال بالقرار الأممي… فرحة وطنية جامعة

مباشرة بعد صدور قرار مجلس الأمن الأخير، حتى عمّت الاحتفالات مختلف مدن الصحراء، من العيون إلى الداخلة والسمارة، تعبيراً عن فرحة المواطنين بما اعتبروه انتصاراً للشرعية الدولية وللوحدة الترابية للمملكة. وقد شاركت مختلف فئات الشعب المغربي في هذه اللحظة الوطنية، التي شكلت تتويجاً لمسار من الصبر والنضال الدبلوماسي والإنساني.

– نحو طيّ صفحة المعاناة الإنسانية في تندوف

اليوم، ومع وضوح الرؤية الأممية وتزايد التأييد الدولي للمغرب، باتت عودة سكان مخيمات تندوف إلى وطنهم ضرورة إنسانية وتاريخية. فبعد نصف قرن من التهجير والاحتجاز والتضليل، حان الوقت لتمكين هؤلاء المواطنين من اختيار العودة بحرية إلى وطنهم، في إطار الحكم الذاتي الذي يضمن لهم الكرامة والحقوق، ويعيد لحمة الأسر التي فرقتها الأيديولوجيات المصطنعة.

– لا غالب ولا مغلوب

رغم التحولات الإيجابية، يصر المغرب على مقاربة متوازنة، كما أكد جلالة الملك محمد السادس، بأن الحل يجب أن يكون لا غالب فيه ولا مغلوب، حفاظاً على ماء وجه الجميع، وإعلاءً لقيم الحوار والاحترام المتبادل.

فالمغرب لا يعتبر هذه التطورات انتصاراً ظرفياً، بل خطوة في مسار طويل نحو السلام والوحدة، هدفه الأسمى إنهاء معاناة الآلاف من الأسر في تندوف، واستعادة حقهم الطبيعي في العيش بحرية وكرامة داخل وطنهم الأم: المغرب.