النهار المغربية – الدار البيضاء
مرة أخرى تجد جبهة البوليساريو نفسها أمام واقع مر صنعته وعود جزائرية لا أساس لها من الصحة، فبعد أسابيع من الترويج داخل الإعلام الجزائري القريب من السلطة بأن روسيا والصين ستستخدمان حق الفيتو ضد أي قرار أممي يدعم الموقف المغربي، جاء تصويت مجلس الأمن الأخير ليكشف الحقيقة: لا فيتو ولا اعتراض، فقط إجماع دولي متزايد حول واقعية وشرعية المقترح المغربي للحكم الذاتي.
لقد باعت الجزائر لجبهة البوليساريو حلما سياسيا من صنع خيالها الدبلوماسي، وأوهمتهم بأن موازين القوى في الأمم المتحدة يمكن قلبها عبر بيانات أو تحركات شكلية، غير أن الدبلوماسية، كما يعرف الجميع، لا تدار بالشعارات ولا بالمناورات، بل بالمصداقية والواقعية وحسن التقدير، وهي العناصر التي يتفوق فيها الموقف المغربي منذ البداية.
فحين اجتمعت الدول الكبرى داخل مجلس الأمن، لم تجد الجزائر من يساند خطابها المتجاوز للزمن، الصين وروسيا، اللتان كانت تراهن عليهما الجزائر، فضلتا موقفا متوازنا يحافظ على مصالحهما الدولية دون الانخراط في نزاع إقليمي فقد منذ زمن طويل بعده الدولي.
أما الولايات المتحدة والدول الأوروبية و المؤثرة، فقد أعلنت دعمها الصريح للمبادرة المغربية باعتبارها الحل الجاد الوحيد القابل للتطبيق، الكفيل بضمان الاستقرار والتنمية في المنطقة.
اليوم يجد قادة البوليساريو أنفسهم في مأزق جديد: الوعود الجزائرية تبخرت، والمجتمع الدولي يتحرك في اتجاه آخر، فبينما ظلت الجزائر ترفع شعار حق تقرير المصير، كانت الدبلوماسية المغربية تشتغل بهدوء على الأرض وفي الميدان من خلال مشاريع تنموية كبرى في الأقاليم الجنوبية جعلت من هذه المناطق نموذجا للاستقرار والازدهار.
لقد تحولت الدبلوماسية الجزائرية، في نظر المراقبين، إلى آلة لإنتاج الأوهام السياسية، تقدم الوعود في الكواليس وتخسر في العلن، أما المغرب فاختار نهج الدولة الواثقة من شرعية مواقفها وعدالة قضيتها، منطلقاومن قناعة راسخة بأن منطق البناء والتقدم أقوى من منطق المزايدة.
إن هذا الوهم الدبلوماسي لم يقتصر أثره على ملف الصحراء فقط، بل زاد عزلة الجزائر على المستويين الإقليمي والدولي، ففي الاتحاد الإفريقي تراجع نفوذها بشكل ملحوظ، بعدما باتت غالبية الدول الإفريقية ترى في الموقف المغربي نموذجا للحل السلمي والتنمية المشتركة، كما أن عددا متزايدا من الدول فتحت قنصليات في العيون والداخلة في خطوة رمزية تعبر عن الاعتراف العملي بمغربية الصحراء.
أما في علاقاتها مع الشركاء الأوروبيين، فقد وجدت الجزائر نفسها في موقع المتفرج، بعدما عزز المغرب شراكاته الاستراتيجية في مجالات الطاقة والهجرة والأمن والاستثمار مع كبرى القوى الدولية التي لم تعد تلتفت إلى دعايات الحملات الإعلامية الموجهة.
لقد تغير ميزان الدبلوماسية في المنطقة، فبينما يعتمد المغرب على قوة المصداقية والتوافق الدولي، تراهن الجزائر على خطاب متقادم يعيد تكرار نفس الشعارات منذ نصف قرن، ومع كل قرار أممي جديد تتضح الحقيقة أكثر، أن العالم مع الحل المغربي، وأن من يبيع الوهم لا يجني سوى الخيبة.
في النهاية يتأكد مرة أخرى أن القضايا العادلة لا تحتاج إلى الفيتو، بل إلى الحقيقة، والمغرب، ببساطة، يقف في صف الحقيقة.
