النهار المغربية
في ضربة دبلوماسية موجعة للنظام العسكري الجزائري، وجه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صفعة قوية للجزائر خلال ندوة صحفية عقدها في موسكو، حين تحدث بصراحة غير مسبوقة عن “الطابع الاستعماري للحدود الجزائرية”، في تصريح كشف هشاشة الخطاب الرسمي الجزائري حول مبدأ “قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار”.
الوجود العسكري الروسي في مالي
الواقعة بدأت عندما وجهت صحافية من القناة الرسمية الجزائرية AL24 News سؤالاً حاولت من خلاله مهاجمة التواجد الروسي في مالي، غير أن لافروف قاطعها بلهجة حادة، متهماً إياها بتلاوة سؤال أُعدّ مسبقاً في الجزائر لخدمة أجندة سياسية معينة.
ورد الوزير الروسي مدافعاً عن الوجود العسكري الروسي في مالي، مؤكداً أنه جاء بطلب رسمي من سلطات باماكو الشرعية، نافياً الاتهامات التي تروجها وسائل الإعلام الجزائرية حول “ارتكاب جرائم ضد المدنيين”.
ولكن المفاجأة كانت عندما أشار لافروف إلى أن جذور التوتر بين الجزائر ومالي تعود إلى الحدود المصطنعة التي رسمها الاستعمار الفرنسي، والتي تجاهلت بالكامل البنية القبلية والعرقية في المنطقة. واستشهد بحالة الطوارق الذين تم تقسيمهم بين شمال مالي وجنوب الجزائر، مضيفاً أن معظم النزاعات الإفريقية الراهنة هي نتيجة مباشرة لتلك الحدود الاستعمارية.
وبهذا التوضيح، ذكّر لافروف النظام الجزائري بحقيقة محرجة طالما تهرّب من الاعتراف بها: أن حدود الجزائر الحالية من صنع فرنسا، وأنها توسعت على حساب أراضي دول الجوار، بما في ذلك المغرب الذي اقتُطعت أجزاء من صحرائه الشرقية وألحقت بالجزائر بعد الاستقلال.
انتكاسة جديدة للدبلوماسية الجزائرية
هذا الموقف الروسي الصريح شكّل تحولاً لافتاً، خاصة وأن موسكو أعلنت، في السياق ذاته، دعمها الكامل لخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء، في ما اعتبره مراقبون انتكاسة جديدة للدبلوماسية الجزائرية.
وفي الجزائر، ساد الصمت. لم يصدر أي تعليق رسمي من وزارة الخارجية، كما تجاهلت وسائل الإعلام الحكومية الموضوع بالكامل، في مشهد يعكس حجم الحرج داخل أروقة الحكم. وحده النائب عبد السلام بشاغة، رئيس مجموعة الصداقة الجزائرية-الروسية، تجرأ على التعليق بخجل، مكتفياً بالقول إن “الاستعمار سبب الكثير من الأزمات في إفريقيا”، دون أن يجرؤ على الرد المباشر على تصريحات لافروف.
وتأتي هذه الصفعة الروسية لتزيد من عزلة الجزائر الخارجية التي تتفاقم منذ تولي عبد المجيد تبون الحكم. فالعلاقات مع موسكو تمر منذ سنوات بحالة من البرود، خصوصاً بعد أن أغضبت تصريحات تبون سنة 2021 حول “استعداد الجزائر للتدخل في ليبيا” القيادة الروسية الداعمة آنذاك للمشير حفتر.
حتى الزيارة التي قام بها تبون إلى موسكو في يونيو 2023 لم تُصلح العلاقات، بل زادت توتراً بعدما رفض الرئيس فلاديمير بوتين طلب الجزائر الانضمام إلى مجموعة “البريكس”، معتبراً أن اقتصادها لا يرقى إلى معايير العضوية ولا يمتلك وزناً دبلوماسياً مؤثراً.
وهكذا، لم تعد الجزائر تتلقى الصفعات فقط من خصومها التقليديين، بل حتى من حلفائها القدامى، في مشهد يؤكد أن عزلة النظام العسكري تتسع يوماً بعد يوم، وأن ما تبقى له من “تحالفات” بات مجرد صدى لعلاقات فقدت مضمونها.