نظام الجزائر يمهّد لإقبار وهم “الجمهورية” في الصحراء وتوطينه بتندوف

في مشهد يتكرر في كل استقبال لزعيم البوليساريو، إبراهيم غالي، من طرف مسؤولين في الجزائر، يحرص الإعلام في هذا البلد، مدعومًا بالبيانات الرسمية، على تصوير قائد الانفصاليين وكأنه “رئيس دولة” قادم من بلد آخر خارج حدود الجزائر، وليس من أراضي تندوف التي تخلى عنها النظام الجزائري لصالح ميليشيا مسلحة تحكمها بالحديد والنار وتمنع الجزائريين أنفسهم من دخولها إلا بموافقة صريحة منها.

هذه اللعبة البصرية، إن صح التعبير، تكشف، حسب مهتمين، عن محاولة لصنع حقيقة جديدة فوق الأراضي الجزائرية وتحضير الجزائريين لتقبلها ولو على مضض، ممثلة في إقامة “جمهورية صحراوية” في تندوف، خاصة بعد إسقاط مشروع تقسيم المغرب وفصله عن صحرائه بضربة توالي الاعترافات الدولية بالسيادة المطلقة للرباط على أقاليمها الجنوبية، وهو المشروع الذي تتضح ملامحه من تصريحات مسؤولين حزبيين، على رأسهم الوزير السابق ورئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، الذي أقر مؤخرًا بوجود حدود للدولة الجزائرية مع تندوف الخاضعة لسيطرة الانفصاليين.

إعلان نظام الجزائر يمهّد لإقبار وهم "الجمهورية" في الصحراء وتوطينه بتندوف

إعلام بائس ومقترح جزائري

في هذا الصدد قال أنور مالك، كاتب وناشط سياسي جزائري مقيم في باريس، إن “الإعلام الجزائري البائس، للأسف الشديد، يريد وضع زعيم البوليساريو في وضع رؤساء الدول القادمين من عواصمهم بجوازات سفر دولهم وعلى متن طائرات دولهم أيضاً، في حين أن غالي تؤكد معلومات أنه دائم الإقامة في العاصمة الجزائر وليس في تندوف، فيما يتم إعداد مسرحيات هزلية لتصوير مراسيم استقباله من طرف مسؤولين جزائريين وكأنه قادم من دولة أخرى”.

وشدد مالك، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، على أن “النظام العسكري بدأ يعد الشعب الجزائري نفسياً لتقبل مقترح يستعد لتقديمه ويطبخ على نار هادئة لإقامة جمهورية للبوليساريو فوق أراضي تندوف الجزائرية، خاصة بعدما أدرك أنه خسر قضية الصحراء لصالح المغرب، وتأكد أن إقامة جمهورية في إقليم الساقية الحمراء وادي الذهب أصبح في عداد المستحيلات”.

وأوضح المتحدث ذاته أن “النظام يستعد لتقديم هذا المقترح للمنتظم الدولي وللولايات المتحدة الأمريكية لتفادي تصنيف البوليساريو على قوائم الإرهاب”، وزاد: “ثم إن ما صدر عن بن قرينة لا يمكن أن يُعتبر مجرد زلة لسان، لأن الرجل مجرد بيدق في يد النظام، لا يتحدث من فراغ ويقول فقط ما يُوحى إليه”، مبرزا أن “مسلسل إظهار إبراهيم غالي في الإعلام كرئيس جمهورية قادم من دولة أخرى، ومنع الجزائريين من دخول الأراضي التي تسيطر عليها البوليساريو في تندوف إلا بتأشيرة وتصريح من قيادة الجبهة، كلها مؤشرات تؤكد قرب تقديم مقترح لتوطين الصحراويين في تندوف”.

وأشار المصرح عينه إلى أن “البوليساريو عملياً هي دولة داخل الدولة الجزائرية، إذ تملك محاكم وسلاحاً وأجهزة أمن، وبالتالي فإن الباقي هو تحضير الجزائريين نفسياً لتقبل هذا الواقع”، لافتاً إلى أن “النظام الجزائري يمكن أن يقبل مقترحاً لترحيل الفلسطينيين إلى تندوف وإقامة دولة عليها تجمعهم والصحراويين”، ومحذراً في الوقت ذاته الجزائريين من هذا المخطط الذي يستهدف إقامة كيان فوق أراض تقع تحت السيادة الجزائرية.

محاولة مكشوفة ونظام مأزوم

محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، قال إن “الإعلام الرسمي الجزائري يرتكب مع الأحزاب السياسية الموالية للنظام خطأً فادحاً حين يُقدّم زعيم الجبهة الانفصالية وكأنه رئيس دولة قائمة، في حين أن كل العالم يدرك أن ما يسمى البوليساريو مجرد كيان وهمي يعيش على نفقة الجزائر وتحت وصايتها المطلقة في تندوف”.

وأضاف عطيف، في تصريح لجريدة النهار، أن “هذا السلوك ليس بريئاً ولا عفوياً، بل محاولة مكشوفة لصناعة وهم سياسي وإقناع الرأي العام الداخلي والخارجي بوجود قضية لا وجود لها على أرض الواقع؛ فالترويج لزيارات زعيم هذه الجماعة وكأنها زيارات رسمية لا يزيد إلا تكريس صورة الجزائر كطرف رئيسي ومباشر في النزاع، وليس كوسيط كما تحاول أن تدّعي”.

وزاد المتحدث ذاته شارحاً: “من المؤكد أن هذا الخطاب لا يخدم الجزائر بقدر ما يفضحها، لأنه يضع سيادتها محل تساؤل؛ فكيف يمكن لدولة تحترم نفسها أن تسمح لكيان مسلح بأن يمارس نشاطه السياسي والدبلوماسي على أراضيها وكأنه دولة داخل الدولة؟ وبالتالي فإن هذا اعتراف ضمني بأن تندوف تحولت إلى منطقة خارجة عن السيادة الوطنية، ما يشكل خطراً إستراتيجياً على الجزائر نفسها قبل أن يشكل تهديداً لجيرانها”.

وشدد الأستاذ الجامعي ذاته على أن “الكيان الوهمي المسمى ‘البوليساريو’ هو نموذج صارخ لكيان فاشل لا يملك أي مقومات للدولة، لا جغرافيا ولا مؤسسات ولا اقتصاد، ومع ذلك يحاول أن يعيش على فتات الدعم الجزائري وبعض المناورات الإعلامية؛ والواقع أن كل هياكله موجودة في تندوف، أي خارج التراب المغربي الذي يدّعي تمثيله، وهو ما يفقده أي مشروعية أمام القانون الدولي وأمام منطق التاريخ والجغرافيا”.

وخلص المصرح نفسه إلى أن “ما تقوم به الجزائر ليس سوى إطالة أمد نزاع مفتعل يخدم مصالح ضيقة لنظام سياسي مأزوم يبحث عن شماعة خارجية لصرف الأنظار عن أزماته الداخلية؛ والنتيجة أن الجزائر ترهن مستقبلها ومصداقيتها الإقليمية والدولية في الدفاع عن كيان وهمي محكوم عليه بالفشل، بينما يراكم المغرب الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء ويعزز حضوره الدبلوماسي والاقتصادي في القارة الإفريقية والعالم”.

زر الذهاب إلى الأعلى