قزيبر يجمع التميز الأكاديمي والرياضي

في زمن يَصعب فيه الجمع بين التفوق الرياضي وبين التحصيل العلمي العالي، يسطع اسم الشاب المغربي بكر قزيبر كأحد النماذج الملهمة التي كسرت هذه القاعدة، مثبتا أن الإصرار والالتزام قادران على رسم مسارات استثنائية تتجاوز حدود العادي.

بدأت رحلة بكر مع السباحة سنة 2009، حين انضم إلى صفوف نادي الجيش الملكي AS.FAR. لم يحتج وقتا طويلا ليبصم حضوره بقوة، إذ سرعان ما برزت مواهبه الجسدية وخصاله الانضباطية، ليحصد الألقاب الوطنية ويحطم الأرقام القياسية في فئته العمرية، مسهما في تعزيز إنجازات فريقه.

ومع توالي النجاحات، تخطت شهرته حدود المغرب؛ فحمل العلم الوطني في محافل دولية، مؤكدا مكانته كأحد أبرز وجوه السباحة المغربية.

وقال بكر، ضمن حديث مع جريدة النهار، إن طموحاته لم تتوقف عند حدود المسابح؛ فبعد حصوله على شهادة البكالوريا سنة 2016، اتخذ قرارا جريئا بمغادرة المغرب نحو أوكرانيا لمتابعة دراسته في طب الأسنان. هناك التحق بنادي Spartak Kharkov العريق، حيث واصل مسيرته الرياضية الموازية، وتمكن سنة 2018 من إحراز ميدالية في البطولة الوطنية الأوكرانية إلى جانب ألقاب جامعية لافتة؛ وهو إنجاز استثنائي بالنظر إلى كونه رياضيا أجنبيا في منافسة محلية قوية.

وأشار بكر إلى أنه بينما كان مساره يسير بثبات، تعرض سنة 2019 لإصابة قوية أجبرته على الابتعاد عن المنافسات لثلاث سنوات كاملة. تجربة صعبة تطلبت الكثير من الصبر والمثابرة؛ غير أن عزيمته لم تنكسر. وما إن بدأ يستعيد مستواه حتى اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية سنة 2022، ليجد نفسه مجبرا على مغادرة البلاد. لكنه، مرة أخرى، رفض أن يستسلم، فعاد إلى المغرب حيث التحق بالجامعة الدولية للرباط لمتابعة دراسته، متشبثا بحلمه المزدوج: التفوق الأكاديمي والاستمرار الرياضي.

وبعد شهور قليلة من العودة، سجل قزيبر رجوعا قويا إلى المنافسات عبر نادي الفتح الرباطي FUS. وكانت عودته مدوية: بطولات متتالية، أربعة ألقاب في كأس العرش، ومجموعة من الأرقام الوطنية المحطمة، خاصة في سباقه المفضل 200 متر سباحة على الصدر. وهكذا، عاد اسمه ليرتبط مرة أخرى بالإنجاز والانضباط والتميز.

وفي يوليوز 2025، بلغ بكر محطة فارقة حين نال شهادة الدكتوراه في طب الأسنان بميزة “مشرف جدا”، ليتوج بذلك سنوات طويلة من الجهد المضاعف بين أحواض السباحة ومدرجات الجامعة. لقد جسد بذلك معادلة نادرة الحدوث: رياضي من الطراز العالي وطبيب ناجح في الوقت ذاته.

ولم تتوقف طموحات قزيبر هنا، إذ أعلن أنه سيشارك رفقة المنتخب الوطني المغربي في منافسات السباحة ضمن البطولة العربية للرياضات المائية للأعمار السنية، المقررة ما بين 28 غشت الجاري وفاتح شتنبر المقبل بمدينة الدار البيضاء.

مشاركة تعكس استمراره في تمثيل المغرب على أعلى مستوى، وتؤكد أن مساره الرياضي ما زال زاخرا بالتحديات والآفاق الجديدة.

قصة بكر قزيبر تتجاوز حدود الفرد لتصبح مصدر إلهام لجيل كامل؛ فهو يجسد صورة الشاب المغربي المثابر، الذي لا تعيقه الإصابات ولا الحروب ولا التحديات عن بلوغ أهدافه. إن مسيرته تبرهن أن الدمج بين الرياضة وبين الدراسة ليس مستحيلا؛ بل هو خيار يتطلب الانضباط والتخطيط والإيمان بقدرات الذات.

اليوم، بكر ليس مجرد اسم في سجلات الأبطال؛ بل صار علامة مضيئة في تاريخ الرياضة المغربية، ورمزا حيا للتفاني في العلم والصحة. إنه نموذج يُخلّد في الذاكرة الجماعية بأن الطموح لا يعرف حدودا، وأن الإصرار كفيل بتحويل العقبات إلى محطات عبور نحو القمم.

Exit mobile version