باتت فرنسا، الثلاثاء، أمام مرحلة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي غداة تحذير رئيس الوزراء فرنسوا بايرو من خطر المديونية المفرطة، وطلبه تصويتا على الثقة من الجمعية الوطنية، قد يطيح بحكومته الشهر المقبل.
وفاجأ رئيس الوزراء الفرنسي الذي يواجه صعوبات البلاد، الإثنين، بإعلانه أنه طلب من الرئيس إيمانويل ماكرون عقد جلسة استثنائية للبرلمان في 8 سبتمبر.
ويحتاج بايرو إلى دعم برلماني لفرض إجراءات تقشف من شأنها خفض الدين العام لفرنسا، لكن أحزاب المعارضة الرئيسية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، أعلنت رفضها خطة رئيس الوزراء.
وجاء الإعلان في وقت تصاعدت الدعوات إلى إضراب عام في 10 سبتمبر احتجاجا على مقترح بايرو إجراء اقتطاعات في الميزانية.
وأقر عدد من أعضاء الحكومة بأن خطوة رئيس الوزراء محفوفة بالمخاطر.
وقال وزير العلاقات مع البرلمان باتريك ميغنولا: “نعم إننا نضع أنفسنا في موقف خطر. وما المشكلة في ذلك؟”، مضيفا: “فرنسا تستحق ذلك”.
وتحتدم المنافسة السياسية في فرنسا قبل موعد الانتخابات الرئاسية في العام 2027، مع انتهاء ولاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثانية.
ودعت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن، الإثنين، إلى حل البرلمان، فيما صعّد جان لوك ميلانشون، زعيم حزب “فرنسا الأبية” اليساري المتطرف، الضغط الثلاثاء قائلا إن على ماكرون أن يستقيل إذا خسر بايرو، البالغ 74 عاما، الثقة خلال التصويت.
وقال ميلانشون لإذاعة “فرانس إنتر” إن “ماكرون هو الفوضى”، مضيفا أنه سيتقدم بمقترح بحجب الثقة عن رئيس الدولة في البرلمان، وزاد: “المشكلة هي السيد ماكرون. يجب أن يرحل”.
وتصاعدت دعوات متكررة للرئيس الفرنسي البالغ 47 عاما للاستقالة منذ حل البرلمان العام الماضي بعد تحقيق اليمين المتطرف مكاسب في الانتخابات الأوروبية، ما أدخل البلاد في أزمة، لكنه أكد أنه سيبقى في منصبه حتى نهاية ولايته، وقال أيضا إنه يريد تجنب حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة مرة أخرى.
وفي حال خسر بايرو التصويت على الثقة سيضطر ماكرون للبحث عن رئيس وزراء سيكون السابع في عهده، ما سيرخي بظلاله على العامين المتبقيين من ولايته الرئاسية.
– أزمة مالية –
أُقيل ميشال بارنييه، سلف بايرو، بعد ثلاثة أشهر فقط من توليه منصبه؛ ففي ديسمبر تحالف حزب التجمع الوطني مع تكتل اليسار لإسقاط حكومته بسبب ميزانية 2026.
وبعد الإفراط في الإنفاق على مدى سنوات يتعين على فرنسا السيطرة على عجزها العام وخفض ديونها المتراكمة، وفقا لقواعد الاتحاد الأوروبي.
ويريد بايرو توفير حوالى 44 مليار يورو (51 مليار دولار) من خلال إجراءات تشمل خفض أيام العطل وتجميد الزيادة في الإنفاق.
وفي منتصف يوليو قدّم بايرو مقترحات ميزانية العام 2026 لكنها لم تحظَ بقبول.
ودعا وزراء الثلاثاء إلى حل وسط، لكن آخرين قالوا أيضا إن جميع الخيارات مطروحة.
وتعهد وزير الاقتصاد إريك لومبار بـ”الكفاح” لضمان نجاة الحكومة من التصويت على الثقة في 8 سبتمبر، وقال: “مسؤوليتنا هي التوصل إلى اتفاق لأن البلاد بحاجة إلى ميزانية”.
وصرح وزير الداخلية برونو ريتايو بأن إسقاط الحكومة سيضرّ بمصالح فرنسا، وحذّر من خطر حدوث أزمة مالية.
وقال ريتايو، زعيم حزب الجمهوريين المحافظ: “سيكون من غير المسؤول إغراق البلاد في أزمة مالية كبرى، ستؤثر تداعياتها أولا على أكثر الفئات ضعفا”.
– انتحار –
وانعكست الأزمة السياسية في بورصة باريس الثلاثاء، إذ انخفض مؤشر كاك 40 للأسهم الفرنسية الرائدة بحوالي 2% في التعاملات الصباحية.
كذلك انخفضت أسهم البنوك الفرنسية، فيما ارتفع عائد السندات السيادية الفرنسية لأجل 10 سنوات، في مؤشر على تراجع ثقة المستثمرين في ديون فرنسا.
ويقول محللون إن ديون فرنسا، البالغة 114% من الناتج المحلي الإجمالي، تشكل تهديدا للاستقرار المالي للبلاد.
وقال مدير فرع أوروبا في شركة تحليل المخاطر أوراسيا غروب، مجتبى رحمن، إن رئيس الوزراء سيُقال على الأرجح، وأضاف في تصريحات لوكالة فرانس برس أن بايرو “سعى إلى إحداث صدمة لدى الرأي العام والنظام السياسي الفرنسي لمواجهة خطورة أزمة ديون البلاد، لكنه ربما لم يغير سوى موعد نهايته”.
ورأى مدير الأبحاث في معهد إبسوس الفرنسي ماتيو غالار أن بايرو اختار عمدا تحميل نفسه المسؤولية بطلبه طرح الثقة في برلمان منقسم بشدة، وقال: “هذا أشبه بانتحار”.