ذكرت صحيفة “فاينانشل تايمز” البريطانية أن سوريا تشهد واحدة من أعقد المعارك في تاريخها الحديث، تتمثل في محاولة النظام الجديد، بقيادة أحمد الشرع، تفكيك إمبراطورية المخدرات التي ازدهرت خلال حكم الرئيس السابق بشار الأسد.
وأفادت الصحيفة أن الكبتاغون، وهو مخدّر منشّط ومحظور، تحوّل خلال الحرب الأهلية إلى مصدر تمويل رئيسي للنظام، وقدرت عائداته السنوية بنحو خمسة مليارات دولار، مما جعل سوريا واحدة من أبرز الدول المنتجة لهذا النوع من المخدرات.
ومنذ ديسمبر الماضي، وبعد الإطاحة بالنظام السابق، أعلن الرئيس الجديد من الجامع الأموي بدمشق عن بدء حملة تطهير شاملة لما وصفه بالإرث السام لتجارة المخدرات، قائلاً إن سوريا “ستُطهَّر من الكبتاغون بعون الله”. وأشارت “فاينانشل تايمز” إلى أن هذه الحملة أسفرت عن تراجع حاد في إنتاج وتجارة المخدرات بنسبة تصل إلى 80 في المائة، حسبما أفاد تجّار ومسؤولون أمنيون وباحثون إقليميون.
وحسب التقرير، فإن وحدات مكافحة المخدرات التي تشكّلت حديثًا نفذت مداهمات واسعة طالت مختبرات تصنيع مرتبطة بشخصيات من العائلة الحاكمة السابقة، بينها منشآت قرب مطار المزة العسكري وفيلات يملكها ماهر الأسد، شقيق الرئيس المخلوع. كما أُعلن عن ضبط أكثر من 200 مليون حبة كبتاغون بين يناير وغشت 2025، وهو رقم يفوق بعشرين ضعفًا ما كانت تصادره سلطات النظام السابق في عام كامل.
ورغم هذا التقدم حذّرت الصحيفة من أن تفكيك هذه الشبكة لن يكون سهلًا. فالطلب الإقليمي لا يزال مرتفعًا، وأسعار الحبوب ارتفعت في السوق السوداء، بينما تسعى شبكات التهريب إلى التكيّف مع الظروف الجديدة. وتستمر عمليات التهريب عبر الحدود الجنوبية، خصوصًا باتجاه الأردن، مستخدمة وسائل متطورة مثل الطائرات المسيّرة والبالونات عن بعد، مما يشير إلى احتراف تنظيمي متصاعد.
وأوضحت “فاينانشل تايمز” أن أحد أبرز إنجازات الحملة تمثل في اعتقال وسيم الأسد، ابن عم الرئيس السابق، بعد استدراجه من لبنان في عملية أمنية محكمة. ووفق مصادر أمنية سورية، أُلقي القبض عليه أثناء محاولته استعادة مبالغ كبيرة من الأموال والذهب كانت مخبأة قرب الحدود.
غير أن تحديات الحملة لا تقتصر على الخارجين عن القانون، بل تمتد إلى داخل الأجهزة الأمنية نفسها، حيث أشارت الصحيفة إلى وجود مؤشرات على تسريبات داخلية وتحذيرات مسبقة تلقّاها تجّار للمخدرات، مما يدل على اختراق بعض وحدات المكافحة من قبل عناصر متواطئة. وأفاد ضابط ميداني أن أحد أبرز المهرّبين، الذي نقل عملياته إلى لبنان، يتلقى على ما يبدو معلومات دقيقة عن توقيت المداهمات، مما حال دون اعتقاله.
وحسب التحقيق، فإن شبكات التهريب ما زالت تنشط في مناطق لا تخضع بالكامل لسيطرة الحكومة الجديدة، منها المناطق الواقعة تحت نفوذ الميليشيات المدعومة من إيران أو الفصائل الكردية، كما أن ضعف الموارد والكوادر يعرقل جهود فرض السيطرة على كامل الجغرافيا السورية.
وفي الجنوب، تحديدًا في السويداء، تُظهر المعطيات الميدانية استمرار تهريب الكبتاغون من خلال شبكات قبلية ومحلية، مدفوعة بظروف اقتصادية صعبة. ونقلت “فاينانشل تايمز” عن سكان محليين ومهرّبين سابقين أن المجندين الجدد يُغْرَون بأرباح سريعة مقابل تهريب كميات من الحبوب تصل قيمتها إلى 25 ألف دولار في العملية الواحدة.
أما على المستوى الصحي، فإن البلاد تعاني من نقص شديد في مراكز علاج الإدمان (لا يتجاوز عددها أربع منشآت) تقدم رعاية أولية محدودة لا تشمل برامج تأهيل متكاملة. وصرّح مدير مستشفى ابن رشد بدمشق أن قدرة النظام الصحي على الاستجابة للأزمة محدودة جدًا، في الوقت الذي بدأ بعض المدمنين اللجوء إلى مواد بديلة أكثر خطورة مثل الكريستال ميث.
واختتمت “فاينانشل تايمز” تقريرها بالإشارة إلى أن الحملة الحالية، رغم زخْمها وتقدّمها، لا تزال في بدايتها. فبين فراغات السلطة، وتواطؤ بعض العناصر الأمنية، وتبدّل أساليب التهريب، يواجه النظام الجديد معركة طويلة الأمد، تتطلب أكثر من الإجراءات الأمنية، وتشمل بناء مؤسسات عدالة، وإصلاحات اقتصادية، وتعاونًا إقليميًا فعّالًا لتفكيك البنية العميقة لدولة المخدرات التي ترسخت في عهد الأسد.