أظهرت أحدث البيانات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط أن المغرب يواصل التحكم في مستويات التضخم، حيث سجل مؤشر التضخم الأساسي انخفاضا طفيفا بنسبة 0.1 في المائة خلال شهر يوليوز 2025 مقارنة بشهر يونيو من العام نفسه. وعلى الرغم من أن المؤشر سجل ارتفاعا سنويا بنسبة 0.9 في المائة مقارنة بيوليوز 2024، فإن هذه الأرقام تمثل نجاحا ملحوظا في السيطرة على موجة غلاء الأسعار التي أثقلت كاهل الأسر والمقاولات خلال العامين الماضيين.
ويأتي هذا الاستقرار النسبي نتيجة تضافر عوامل عديدة؛ أبرزها استقرار أسعار الطاقة عالميا، ووفرة المنتجات الفلاحية محليا، مدعومة بإجراءات حكومية لتحسين الدخل.
وحذر خبراء اقتصاديون من أن الضبابية التي تحيط بالموسم الفلاحي المقبل والتوترات الجيوسياسية قد تعيد الضغوط التضخمية إلى الواجهة.
وأوضح محمد جدري، خبير اقتصادي، أن المستويات الحالية للتضخم تُعد “إيجابية نسبيا” للاقتصاد الوطني. وفي هذا الصدد، أشار إلى التحول الكبير الذي شهده المغرب؛ فقد انتقل من نسب تضخم مرتفعة بلغت 6.6 في المائة في عام 2022 و6.1 في المائة في عام 2023، إلى مستوى يتراوح حاليا بين 0 في المائة و1 في المائة.
وأضاف جدري، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن “المستويات التضخمية المرتفعة تنعكس سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة، كما تؤثر على المقاولات”.
وأبرز الخبير الاقتصادي أن الانخفاض الحالي “يشجع المواطنين على استهلاك مزيد من السلع والخدمات، ويحفز المقاولات على عرض منتجاتها بشكل أكبر”.
وعزا المتحدث عينه هذا التحسن إلى عوامل رئيسية عديدة؛ أهمها استقرار أسعار الطاقة، حيث تراوحت أسعار برميل النفط بين 60 و70 دولارا، وهو ما ساهم في الحفاظ على تكلفة الإنتاج ضمن حدود معقولة، ثم الموسم الفلاحي الجيد.
وفي هذا السياق، لفت جدري إلى أن التساقطات المطرية التي شهدها المغرب في فصلي الشتاء والربيع الماضيين ضمنت وفرة في الخضر والفواكه؛ مما انعكس استقرارا على أسعار المواد الغذائية، وكذا تحسن القدرة الشرائية إذ ساهمت الزيادة العامة في الأجور التي طبقت على دفعتين في يوليوز 2024 ويوليوز 2025، إلى جانب مراجعة الضريبة على الدخل، في دعم قدرة الأسر على الإنفاق.
وشدد الخبير عينه على أن الاقتصاد الوطني لا يستطيع تحمل عودة التضخم المرتفع الذي ساد خلال 2022 و2023، والذي أدى إلى ركود اقتصادي وزيادة ملحوظة في معدلات البطالة.
من جانبه، قدّم يوسف كراوي الفيلالي، الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، قراءة أكثر حذرا للأرقام، مشيرا إلى أن الانخفاض الشهري الطفيف “يُعزى بالأساس إلى تراجع الرقم الاستدلالي للمواد الغذائية بنسبة 0.5 في المائة، والذي قابله ارتفاع في المواد غير الغذائية بنسبة 0.2 في المائة”.
ولفت كراوي الفيلالي، ضمن تصريح لجريدة النهار، الانتباه إلى أن الانخفاض الشهري يجب ألا يغفل الارتفاع السنوي البالغ 0.9 في المائة، مؤكدا أن معدل التضخم العام في المغرب لا يزال في حدود 2 في المائة.
وأرجع الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير الفضل في عدم تسجيل موجة تضخمية جديدة إلى استقرار أسعار النفط خلال الشهرين الماضيين.
ومع ذلك، حذر الفيلالي من أن التحديات المستقبلية لا تزال كبيرة، وحددها في عدد من النقاط؛ أهمها الضغط المالي الذي يواجهه الاقتصاد الوطني، وكذا ضبابية الموسم الفلاحي حيث إن عدم وضوح حجم التساقطات المطرية المرتقبة يهدد استقرار أسعار المواد الغذائية مجددا، ثم الغموض الجيوسياسي المرتبط باستمرار الحرب الروسية الأوكرانية والوضع في غزة الذي قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط مستقبلا؛ مما سينعكس مباشرة على مستوى التضخم في المغرب.
وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن التضخم في المغرب يظل في مستويات معقولة مقارنة بالسنوات الماضية، حسب الخبيرين؛ وهو ما يمنح هامشا نسبيا للاقتصاد الوطني لتفادي آثار الركود والبطالة المرتفعة التي طبعت فترات التضخم المفرط.