هكذا جنّدت إيران عشرات الإسرائيليين لتنفيذ اغتيالات وأعمال تخريبية

أعلنت السلطات الإسرائيلية أن عملاء إيرانيين نجحوا في تجنيد عشرات من مواطنيها عبر الإنترنت، ودفعهم إلى تنفيذ أعمال تخريبية، ومحاولات اغتيال، في تصعيد نوعي للحرب الاستخبارية بين الجانبين.

وبحسب ما أوردته صحيفة “نيويورك تايمز” في تحقيق موسّع استند إلى وثائق قضائية وشهادات من محامين ومسؤولين أمنيين، فإن من بين المجندين أشخاصًا من خلفيات دينية وإثنية متنوعة، بينهم مهاجرون، ومواطنون عرب، وجنود، ومقيمون في مستوطنات بالضفة الغربية، إضافة إلى مراهقين لم تتجاوز أعمارهم 13 عامًا.

وبحسب جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك” والشرطة، فإن القضايا المكتشفة تُظهر حجم محاولات إيران لاختراق المجتمع الإسرائيلي من الداخل، من خلال إغراء مواطنين إسرائيليين، من خلفيات متنوعة، بأموال مدفوعة بالعملات المشفرة مقابل تنفيذ مهام تتراوح بين كتابة شعارات مناهضة للحكومة إلى مؤامرات اغتيال.

القضية التي تصدرت عناوين الإعلام المحلي والدولي كانت تخص فلاديسلاف فيكتورسون (31 عامًا) وأنيا برنشتاين (19 عامًا)، اللذين أُلقي القبض عليهما في أكتوبر 2024، وهما يواجهان تهمًا تشمل الاتصال بعميل أجنبي، والتخريب، والحرق، وفي حالة فيكتورسون، التآمر لارتكاب عمل إرهابي.

بدأت القصة برسالة تلقاها فيكتورسون عبر تطبيق “تلغرام” من شخص غريب يعرض عليه “مهمة بسيطة مقابل مال سهل”. المهمة الأولى كانت رسم شعارات معادية للحكومة في أحد أحياء تل أبيب، بينها تشبيه لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بهتلر. مقابل هذه الأعمال، تقاضى فيكتورسون وبرنشتاين مبلغ 600 دولار.

ومع مرور الوقت، تصاعدت طبيعة المهام. وفقًا لوثائق المحكمة، طُلب من الثنائي تنفيذ عمليات أكثر خطورة، شملت تخريب صناديق كهرباء باستخدام حمض الكبريتيك، وإشعال سيارات، وحتى محاولة صناعة عبوة ناسفة من بخاخ شعر ومفرقعات. ذروة المخطط تمثّلت في عرض 100 ألف دولار لاغتيال أستاذ جامعي إسرائيلي.

وتشير التحقيقات إلى أن الإيرانيين لم يسعوا فقط للتجسس أو تنفيذ عمليات نوعية، بل حاولوا زعزعة النسيج الاجتماعي الإسرائيلي من الداخل، من خلال استغلال عناصر الهشاشة النفسية والاجتماعية لدى الأفراد. وقال “الشاباك” إن الإيرانيين “يستثمرون مبالغ ضخمة في تجنيد إسرائيليين عبر الإنترنت لتنفيذ مهام لصالحهم”.

وبحسب تصريحات رسمية، فقد تم الكشف عن أكثر من 25 حالة تجنيد، بينما أُحبطت العشرات في مراحلها الأولى. وقد تم توجيه التهم لأكثر من 40 شخصًا، بينهم أطفال دون سن الرشد، وجنود، ومهاجرون، وسكان مستوطنات، ومواطنون من أصول عربية ويهودية.

أحد أبرز المتهمين، موتي مامان (وسط الصورة)، رجل أعمال سبعيني، أُدين في أبريل الماضي بالسجن عشر سنوات بعد تهريبه إلى إيران مرتين، حيث ناقش مع مسؤولي استخبارات إيرانيين مخططًا لاغتيال سياسي إسرائيلي.

وتُظهر لوائح الاتهام التي اطلعت عليها الصحافة أن المهمات الموكلة شملت إشعال حرائق، وتوثيق مواقع عسكرية، وإعادة توزيع أسلحة أو أموال مدفونة، إلى جانب استخدام برامج تشفير واتصالات آمنة.

ويؤكد خبراء أمنيون أن أسلوب الإيرانيين يعتمد على تصعيد تدريجي في المهام: تبدأ بمهام بسيطة مقابل مبالغ صغيرة، ثم تُطلب مهام أكثر خطورة مع زيادة الإغراء المالي، ما يؤدي إلى تطبيع السلوك لدى المتورطين، ودفعهم إلى ارتكاب أفعال كانوا سيرفضونها في البداية.

في جلسة استماع عُقدت مؤخرًا في محكمة تل أبيب، نفى محامي الدفاع عن فيكتورسون علم موكله بأن مُشغله إيراني أو ينتمي إلى جهة معادية. وأكد أن استجوابه من قبل “الشاباك” تم بدون حضور محام، وبدون توثيق بالصوت أو الصورة، ما يُعقّد مسار الدفاع.

أما محامي برنشتاين، فقال إن موكلته كانت تعتقد أنها تتعاون مع نشطاء في مجال السياسة والثقافة داخل إسرائيل، وإنها كانت فتاة “ساذجة ومُتأثرة” بفيكتورسون، الذي التقت به وهي في سن السابعة عشرة. ووفق لائحة الاتهام، فقد شجعته لاحقًا على إشعال سيارات، لكنها لم تكن ضالعة في مخطط الاغتيال.

وتوضح القضية كيف نجح عميل افتراضي في خداع مواطنين حقيقيين، مستغلًا الطموح، والمشاكل المالية، وانعدام الوعي الأمني، في جرّهم إلى دوامة من الجرائم. وقد اقترح على فيكتورسون لقاءً في روسيا، مقابل تسديد ديونه وتوفير انتقاله مع شريكته إلى بلد ثالث، قبل أن تُلقي الشرطة القبض عليهما في شتنبر الماضي.

وتحذّر الحملات التوعوية الحكومية الآن من “المال السهل” الذي قد يؤدي إلى “ثمن باهظ”، بينما يرى مراقبون أن هذه القضايا، وإن كانت محدودة من حيث العدد، تطرح أسئلة مقلقة حول قابلية بعض المواطنين للاستدراج، وحول متطلبات الأمن السيبراني والمجتمعي في بيئة مشحونة بالتوترات الداخلية والخارجية.

Exit mobile version