بعد الحفلات الأجنبية .. السعودية تستلهم التراث المحلي في العروض الفنية

بين فارسٍ يضع الشماغ ويجول على حصانه عبر مواقع سياحية، ورجال يرقصون بالزي التقليدي أو نسوة بحجابهن الأسود يقدّمن لوحة فنية، تجسّد خشبة مسرح في الرياض توجّها سعوديا لتنظيم عروض عصرية تستلهم التراث المحلي.

يمزج “ترحال” الفنون التقليدية بلمسة تكنولوجية وأعمال ضوئية وإيقاعات موسيقية متنوعة، ليروّج للتراث المتنوع للسعودية، المملكة المحافظة التي تشهد منذ أعوام انفتاحا في مجالات عدة منها السياحة والترفيه.

حتى سنوات خلت، كانت عروض الموسيقى والرقص محظورة في السعودية. لكن المملكة تشهد منذ أعوام خطوات انفتاحية في إطار “رؤية 2030” التي أطلقها ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان، وتهدف إلى تنويع مصادر الدخل الاقتصادي في البلاد، القائم بشكل رئيسي على تصدير النفط.

ويشمل ذلك تعزيز الترفيه والفنون. وسبق للسعودية أن استضافت حفلات لنجوم عالميين مثل المغنية جينيفر لوبيز، ونزالات لمسابقات فنون قتالية دولية أو بين ملاكمين دوليين بارزين.

إلا أن المملكة تلجأ بشكل متزايد إلى فنونها وثقافتها التقليدية لاستلهام العروض التي تستقطب سكانها.

“اكتشاف”

ويأتي “ترحال” في هذا السياق.

يروي العمل قصة سعد، وهو شاب سعودي يكتشف تراث بلاده في كل منطقة، مستعرضا الثقافة المحلية في مسعى لتغيير صورة المملكة التي عرفت بطابعها المحافظ على مدى عقود.

يسافر الشاب على جواده الأبيض عبر جدة والدمام والطائف والرياض والمناطق الجبلية في شمال البلاد، في مغامرة يشارك فيها 100 من مؤدي الحركات البهلوانية والراقصين، من بينهم 55 سعوديا، على أنغام الأغاني السعودية والأزياء التقليدية.

وأوضح عبد الرحمن المطوع، الناطق باسم وزارة الثقافة، لوكالة فرانس برس، أن العرض يجسّد “جمال المناظر الطبيعية السعودية وعمق تقاليدها، جاعلا إياها في متناول جمهور واسع، بمن فيه الأجيال الشابة والزوار الدوليون”.

وقال فيليبو فيراريسي، المدير الفني للعرض، إنه أجرى لإعداده “بحثا موسعا” في الثقافة السعودية بالتعاون مع “مستشارين وأساتذة وكتاب سعوديين”.

وأضاف: “اكتشفت مختلف المناطق، وتقاليدها، ورقصاتها، وموسيقاها”.

وفي سياق التوجه إلى تعزيز الهوية الثقافية المحلية، أعلن رئيس هيئة الترفيه، تركي آل الشيخ، هذا الشهر، أن “موسم الرياض”، الذي يقام سنويا بين الخريف والربيع، سيعتمد بشكل “كامل تقريبا على العازفين والموسيقيين السعوديين والخليجيين في الحفلات الغنائية” المزمع إقامتها.

“اختبار الحدود”

اعتبر سيباستان سونز من مركز “كاربو” الألماني للأبحاث أن “إعادة تشكيل وصياغة الهوية السعودية توائم الفنون والثقافة الحديثة مع التراث التقليدي وإرث” المملكة.

وأضاف سونز لفرانس برس أن من سمات رؤية 2030 التي ركّزت على الطابع الاقتصادي، هو “اختبار الحدود” التي يمكن أن يبلغها الانفتاح.

وأوضح: “إذا تبيّن أن خطوتين هو أمر مبالغ فيه، يمكن دائما التراجع خطوة”.

وخلال الأعوام الماضية، شهدت المملكة تحولات اجتماعية كبيرة، من السماح للنساء بقيادة السيارات وتعزيز مشاركتهن في الحياة العامة، إلى إقامة مهرجانات فنية وسينمائية ومشاريع سياحية واستقطاب الزوار.

وبحسب كريستيان كوتس أولريخسن من معهد بيكر في جامعة رايس الأميركية، فإن الترفيه يشكّل “محورا أساسيا للجوانب الاجتماعية والاقتصادية” في رؤية 2030 التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان.

وأضاف: “يُنظر إليه ليس فقط على أنه قطاع ذو إمكانات هائلة غير مستغلة يمكن أن يساهم في التنويع الاقتصادي، بل أيضا وسيلة لإبراز التغييرات الجارية في السعودية”.

وتابع: “هناك العديد من العقول المبدعة في البلاد تستحق الاحترام لعملها”.

كانت المشاركة في “ترحال” بمثابة “حلم تحقق” بالنسبة إلى السعودية طلحة ماس (23 عاما)، التي أكدت أنها لم تتلق إلا “ردود فعل إيجابية” على أدائها الراقص الذي كان يستحيل تخيّله قبل أعوام.

من جهته، أعرب آسر صالح (37 عاما) عن “الفخر” لرؤية عرض مماثل في السعودية.

وتابع هذا المصري المقيم في الرياض منذ أعوام: “في السابق، كان عليك الذهاب إلى أوروبا أو الولايات المتحدة لمشاهدة هذا النوع من العروض”.

Exit mobile version