شد الحبل يضع الرئيس التونسي في مواجهة مفتوحة مع أكبر نقابات العمال

دخل الرئيس التونسي قيس سعيّد في مواجهة مع الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر النقابات العمالية في البلاد، ما يعتبره محلّلون تهديدا لأبرز منظمة مستقلة وأحد أركان الديمقراطية في تونس.

في السابع من غشت الحالي رفعت تظاهرة شعارات تتهم قادة الاتحاد التونسي للشغل بـ”الفساد”، وأطلقت المواجهة بين المنظمة التي لعبت دورا مهما في مرحلة الانتقال الديمقراطي بعد ثورة 2011، وحازت جائزة نوبل للسلام عام 2015، وبين الرئيس الذي يحتكر السلطات منذ العام 2021.

إعلان شد الحبل يضع الرئيس التونسي في مواجهة مفتوحة مع أكبر نقابات العمال

وجاءت التظاهرة أمام مقرّ الاتحاد في العاصمة غداة تصريحات لسعيّد عبّر فيها عن غضبه من إضراب نفذته المنظمة لثلاثة أيام في قطاع النقل. ووصفت قيادة الاتحاد المتظاهرين بأنهم “أنصار سعيّد”، وقالت إنهم حاولوا “اقتحام” المقر.

ولم ينتظر سعيّد طويلا، فخرج ليل الجمعة مرة ثانية وبنبرة غاضبة، قائلا: “لم تكن في نية المحتجين لا الاقتحام ولا الاعتداء كما تروّج لذلك ألسنة السوء”، مضيفا: “هناك ملفات يجب أن تُفتح لأن الشعب يطالب بالمحاسبة… لن تكون هناك حصانة لأي كان إذا تجاوز القانون، فالقانون يُطبّق على الجميع”.

ويقول نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، بسام خواجا، لوكالة فرانس برس: “بعد أن كثّفت السلطات هجماتها ضد الأحزاب السياسية والجمعيات يبدو أن النقابات العمالية أصبحت الآن هدفا لها، وهي واحدة من آخر أعمدة الديمقراطية في تونس”.

– إلى التصعيد؟ –

يضيف خواجا: “التهديدات المبطنة من الرئيس ضد المركزية النقابية تشكل انتهاكا جديدا للمؤسسات التي يسعى سعيّد إلى تفكيكها”.

ويرى أستاذ التاريخ المعاصر في جامعات تونسية عبد اللطيف الحناشي أن ما حدث “يأتي في سياق متواصل لمشروع الرئيس قيس سعيّد الذي له موقف من الأجسام الوسيطة، ومنها منظمات المجتمع المدني”، مضيفا أن “الخوف كل

الخوف ألا يتحكّم الطرفان في ردود الفعل، الأمر الذي قد يؤدي إلى مواجهات لن تخدم البلاد”.
ويعتبر المتحدث أن الرئيس عبّر عن موقفه بنوع من “التحدي الحادّ” الذي سيدفع الاتحاد إلى “التفاعل باتجاه التصعيد والدخول في معركة كسر العظم”.

وعقد الاتحاد هيئته التنفيذية بشكل عاجل الإثنين، وردّ الأمين العام نور الدين الطبوبي على سعيد بالقول: “لسنا من الذين سيُحكم عليهم بتكميم الأفواه، صوتنا عال”، منتقدا ما اعتبره “سيفا مسلطا” على النقابيين باتهامهم بـ”الفساد”، وداعيا إلى اللجوء إلى القضاء في حال توفّر ما يثبت الاتهامات.

وأعلن الاتحاد في أعقاب ذلك تنظيم تظاهرة ومسيرة الخميس المقبل، “للدفاع عن الاتحاد”، ولعودة المفاوضات الاجتماعية المعطلة مع الحكومة، ولوّح بتنفيذ إضراب عام.

ومنذ العام 2022 نفّذت السلطات حملات توقيف وملاحقات قضائية طالت معارضين لسعيّد، من المنتمين إلى أحزاب سياسية أو من الناشطين والحقوقيين والصحافيين والقضاة، ما دفع العديد من المنظمات الحقوقية التونسية والدولية إلى التنديد مرارا بتراجع الحريات في البلاد.

وفي المقابل يؤكد سعيّد أن الحريات مضمونة في بلاده ومكفولة في دستور 2022، وأنه لا يتدخل في عمل القضاء.

وقرّرت الحكومة، الخميس، في خطوة تصعيدية أخرى، إلغاء “التفرّغ النقابي” الذي كان موظفون في القطاع الحكومي يحصلون بموجبه على تراخيص استثنائية لممارسة نشاطهم النقابي والتفرّغ له.

– “إضعاف الفضاء المدني” –

ومنذ تأسيس المركزية النقابية عام 1946 خاض قادة الاتحاد صدامات عدّة مع المستعمر الفرنسي وخلال فترة حكم الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي وصولا إلى ثورة 2011.

وللاتحاد تجربة واسعة في تعبئة المنخرطين فيه (700 ألف على الأقل)، بخلاف المعارضة التي تراجعت قدراتها بشكل كبير منذ 2021.

وكان للاتحاد التونسي للشغل دور ريادي في حل أزمة 2013 السياسية، حين كانت البلاد في حالة استقطاب سياسي حاد بعد الثورة التي أطاحت بحكم زين العابدين بن علي في العام 2011، ونال إثرها جائزة نوبل للسلام مع ثلاث منظمات أخرى.

غير أن طيفا من الرأي العام ومن التونسيين أثنوا على انتقادات سعيد للمنظمة، معللين ذلك بأن من بين أبرز أسباب تراجع الوضع الاقتصادي الإضرابات المتكررة منذ 2011، التي نفّذتها النقابات في قطاعات حيوية، ومنها إنتاج الفوسفات.

وأصدرت ائتلافات حزبية معارضة ومنظمات حقوقية بيانات ندّدت بما حصل أمام مقرّ الاتحاد. واعتبرت “الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان” أن التظاهرة لا يمكن فصلها عن “سياق عام من التحريض والتجييش ضد العمل النقابي والمنظمات المستقلة”، لافتةً إلى أنها “محاولة مكشوفة لتجفيف منابع التعبير الحر وإضعاف الفضاء المدني، عبر التخويف والتخوين والتشويه”.

ودعم الاتحاد قرارات الرئيس الاستثنائية التي أقرها عام 2021، من تجميد أعمال البرلمان ثم حلّه لاحقا وإقالة رئيس الحكومة، من دون أن يمنحه “صكّا على بياض”؛ لكن دعمه سرعان ما تراجع، واتخذ موقفا ناقدا لمسار قيس سعيّد.

ويرى الحناشي أن ما تقوم به السلطة “هو توسيع لجبهة الأعداء وتقليص لجبهة الأصدقاء”.

ويتزامن تطور الأزمة بين سعيّد والاتحاد مع تراكم خلافات داخلية داخل الأخير، ما يهدّد بإضعافه. وبرز جناح من النقابيين يطالب بوضع حدّ لحالة “الوهن والارتباك والانقسام”.

وأقر الطبوبي الإثنين بوجود “خلافات داخلية” وصفها بـ”الظاهرة الصحية”، مضيفا: “إنها تحسم بالآليات الديمقراطية، وليس لنا الرجل الأوحد”.

زر الذهاب إلى الأعلى