في عصرٍ باتت فيه جائزة الكرة الذهبية حكرا شبه دائم على المهاجمين وصنّاع الأهداف، يبرز اسم النجم المغربي أشرف حكيمي، الظهير الأيمن لنادي باريس سان جيرمان الفرنسي، كاستثناء نادر يُعيد صياغة معايير التميز في كرة القدم الحديثة.
الموسم الذي قدمه النجم المغربي بألوان النادي الباريسي لا يضعه فقط ضمن المرشحين؛ بل يطرح اسمه بقوة كمنافس جاد على الجائزة الأهم في عالم المستديرة.
لا يعرف التراجع
لم يكن حكيمي مجرد “ترس” في آلة باريس سان جيرمان هذا الموسم؛ بل كان من المحركات الأساسية التي قادت الفريق نحو الهيمنة محليا وأوروبيا. لقد شارك النجم المغربي في جميع مباريات دوري أبطال أوروبا الـ17، وساهم بشكل مباشر في 27 هدفا (11 تسجيلا و16 تمريرة حاسمة) خلال 55 مباراة في كل المسابقات؛ وهو رقم لا يُصدق بالنسبة للاعب يتمركز في الخط الخلفي.
وما جعل هذه الأرقام أكثر بريقا أنها تجاوزت الرقم القياسي السابق المسجل باسم البرازيلي داني ألفيس، نجم برشلونة السابق، (25 مساهمة تهديفية في موسم واحد). حكيمي بات، اليوم، المدافع الأكثر مساهمة هجومية في تاريخ كرة القدم خلال موسم واحد؛ وهو إنجاز يفتح بابا واسعا لنقاش جدي حول مكانته في سباق الكرة الذهبية.
مفاتيح الحسم الأوروبية
أداء حكيمي لم يقتصر على الدوري الفرنسي، الذي تُوج فيه بجائزة مارك فيفيان فويه لأفضل لاعب إفريقي؛ بل تألق في أهم المحطات القارية: سجّل في ربع نهائي دوري الأبطال، نصف النهائي، والنهائي، الذي انتهى بفوز ساحق على إنتر ميلان 5-0، ليمنح فريقه أول لقب أوروبي في تاريخه؛ وهو ما فشل فيه النادي لأعوام، رغم انتدابه أفضل نجوم الساحرة المستديرة على غرار ليونيل ميسي ونيمار.
استحالة التجاهل
عندما يتفوّق المدافع على المهاجمين مقارنة ببعض الأسماء اللامعة في المقدمة، مثل ديمبيلي ويامال، تبدو أرقام حكيمي لا تقل وزنا؛ بل تتفوق من حيث التأثير. فبينما تألق ديمبيلي هجوميا، فإن حكيمي جمع بين الدفاع الصلب والفعالية الهجومية، مع مساهمات في بناء اللعب، وصناعة الفرص، وتقدمات بالكرة تُضاهي ما يقوم به لاعبو الوسط والمهاجمون.
كما يحتل “الأسد الأطلسي” المركز الرابع من حيث التسديد على المرمى في دوري الأبطال (17 محاولة)، والثالث في عدد التمريرات التي تسبق التسديد (130)، وثاني أكثر مدافع خلقا للفرص في الدوريات الخمسة الكبرى.
معايير الترشيح
وفق المعايير الثلاثة التي يعتمدها 100 صحافي مكلفين بالتصويت لاختيار الفائز بالكرة الذهبية: الأداء الفردي واللحظات الحاسمة: حكيمي تألق في كل مباراة تقريبا، وكان حاضرا في لحظات الحسم القارية.
النجاحات الجماعية: حقق كل الألقاب الممكنة مع ناديه (الدوري الفرنسي، كأس فرنسا، دوري الأبطال، السوبر، مشاركة في نهائي مونديال الأندية).
السلوك والروح الرياضية: يتمتع حكيمي بسجل نقي وأداء انضباطي يُحتذى به داخل الملعب وخارجه.
حلم ودعم
رغم أن التتويج بالكرة الذهبية يُحسم غالبا من خلال عدسات الأهداف، فإن حالة حكيمي تفرض إعادة النظر في معايير “الأفضل”. هو ليس مهاجما، لا يُطلب منه التسجيل… ومع ذلك، سجّل وصنع وتألق، وأثبت أن اللاعب المتكامل قد يكون في الخط الخلفي لا الأمامي.
ولم يكن تألق أشرف حكيمي هذا الموسم محل إشادة جماهيرية فقط؛ بل حظي بدعم لافت من أسماء مرموقة في عالم كرة القدم، ما أعطى حملته غير الرسمية نحو الكرة الذهبية بعدا جديدا من الشرعية والتقدير.
المدرب الفرنسي هيرفي رينارد، الذي أشرف على تدريب المنتخب الوطني المغربي سابقا، لم يتردد في وصف حكيمي بأنه “أفضل لاعب في القارة الإفريقية”، مشيرا إلى تطور مستمر ولافت في مسيرته، منذ أيام بوروسيا دورتموند وإنتر ميلان وصولا إلى قمته الحالية في باريس سان جيرمان.
ومن جهته، قدّم المصري عصام الحضري، أسطورة حراسة المرمى الإفريقية، وجهة نظر أكثر حسما حين أكد أن حكيمي كان “الأفضل في باريس سان جيرمان في كل مباراة تقريبا”.
وتفوق “الأسد الأطلسي”، حسب رأي الحضري من خلال تصريح خص به “النهار”، على زملائه البارزين؛ وعلى رأسهم عثمان ديمبيلي.
الإشادة لم تأتِ من الإعلام والمدربين فقط؛ بل حتى بعض النجوم المنافسين، فقد لمح هاري كين، مهاجم بايرن ميونخ، إلى أن هناك لاعبين من باريس سان جيرمان يستحقون الكرة الذهبية هذا العام، مشيرا إلى حكيمي بالاسم، في موقف نادر من لاعب منافس.
شهادة إنريكي
لم يتردد الإسباني لويس إنريكي، مدرب باريس سان جيرمان، في وصف حكيمي بكونه أفضل ظهير شاهده يُداعب الكرة، رغم أنه أشرف على تدريب نجوم كبار في هذا المركز.
تأييد شعبي واسع النطاق
في مؤشر قوي على شعبيته المتزايدة ومكانته العالمية، وأحقيته بالكرة الذهبية، تصدر النجم المغربي أشرف حكيمي نتائج التصويت الجماهيري الذي أجرته صحيفة “ليكيب” الفرنسية لاختيار المرشح الأبرز لنيل الكرة الذهبية لعام 2025.
الاستفتاء، الذي أطلقته واحدة من أعرق المؤسسات الإعلامية الرياضية في أوروبا، شهد مشاركة جماهيرية كثيفة من المغرب ومن مختلف الجاليات المغربية عبر العالم؛ مما يعكس مدى الفخر الوطني الذي يرافق تألق حكيمي.
لكن اللافت، أيضا، هو أن الدعم لم يقتصر على جمهوره المحلي؛ بل حظي بدفعة تأييد دولي واسعة، في دلالة على اعتراف عالمي متزايد بقيمة اللاعب داخل وخارج حدود المملكة.