
شركات متعثرة تراهن على “البيتكوين” وسط تحذيرات من فقاعة مالية عالمية
أفاد تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أن عدداً متزايداً من الشركات من قطاعات متعددة، مثل التكنولوجيا الحيوية والتعدين والفنادق وصناعة السيارات الكهربائية وحتى السجائر الإلكترونية، يتجه إلى شراء كميات ضخمة من عملة “البيتكوين” في إطار استراتيجيات تهدف إلى جذب المستثمرين ورفع أسعار أسهمها، رغم عدم ارتباط هذه الشركات أصلاً بقطاع العملات المشفرة.
ويرى محللون أن هذا المسار قد يشكل “فقاعة مالية” شبيهة بفقاعة أسهم شركات الإنترنت في أواخر التسعينيات، مع مخاطر محتملة على استقرار الأسواق إذا ما تعرضت أسعار الأصول الرقمية لانهيار مفاجئ.
التقرير أشار إلى أن نحو 154 شركة مدرجة في البورصات العالمية جمعت أو تعهدت بجمع ما يقرب من 98.4 مليار دولار منذ بداية عام 2025 حتى الخامس من غشت الجاري لشراء أصول مشفرة، وفي مقدمتها “البيتكوين”، وهو رقم يفوق بكثير ما جُمع في السنوات السابقة مجتمعة، إذ لم تتجاوز قيمة المبالغ المماثلة قبل هذا العام 33.6 مليار دولار، وكانت موزعة على عشر شركات فقط.
هذه الطفرة في الإقبال جاءت مدفوعة بارتفاعات قياسية في أسعار “البيتكوين” والمؤشرات الرئيسية للأسهم خلال العام الجاري، إضافة إلى الدعم السياسي العلني من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقطاع الأصول الرقمية.
ومن الأمثلة التي أوردها التقرير شركة “سيكوانز كوميونيكيشنز” الفرنسية المدرجة في نيويورك، والمتخصصة في أشباه الموصلات، والتي قررت، بعد فترة من تراجع أسهمها، جمع 384 مليون دولار من أسواق الدين والأسهم لشراء “البيتكوين”، مما أدى إلى ارتفاع سهمها بنسبة 160 بالمائة فور الإعلان عن الخطة.
كما أشار التقرير إلى شركة “بلو بيرد ماينينغ فينتشرز” البريطانية، التي جمعت مليوني جنيه إسترليني في يونيو لشراء العملة المشفرة بهدف تسهيل جمع تمويلات مستقبلية كانت ستواجه صعوبات كبيرة في الحصول عليها.
وإلى جانب الشركات النشطة في مجالات إنتاجية أو خدمية، ظهرت شركات “خزانة البيتكوين” (Crypto Treasury Companies) ، التي تنشأ خصيصاً لجمع الأموال من الأسواق لشراء العملات المشفرة والاحتفاظ بها، مستوحية نموذج شركة “استراتيجي” الأمريكية، التي راكمت مليارات الدولارات من “البيتكوين” وحققت ارتفاعاً في قيمة أسهمها بأكثر من 3000 بالمائة خلال خمس سنوات.
بعض هذه الشركات تتبنى حتى هوية بصرية مرتبطة بالعملة، مثل تغيير ألوان مواقعها إلى اللون البرتقالي الخاص بـ”البيتكوين”، وإضافة لوحات بيانات تعرض كمية الأصول المشفرة التي تملكها وقيمتها السوقية.
المنطق الاستثماري وراء هذه الظاهرة، وفق التقرير، هو التركيز على مؤشر “عدد البيتكوين لكل سهم”، الذي يمثل حصة المستثمر من الأصول الرقمية عبر ملكيته لأسهم الشركة. ولتعزيز هذا المؤشر تسارع الشركات إلى جمع مزيد من الأموال من خلال الدين أو إصدار الأسهم لشراء المزيد من العملات، لكن هذا النهج يرفع مخاطر التعثر في حال تراجع الأسعار.
ويقول إريك بينوا، الخبير في بنك “ناتيكسيس”، إن “الخطر الأكبر هو انهيار سعر البيتكوين، مما سيؤدي إلى تراجع حاد في الأسهم، وقد يعجز بعض المصدرين عن سداد ديونهم، مما يخلق أثراً نظامياً في سوق الأصول الرقمية”.
ومن الأمثلة اللافتة على تضخم القيمة السوقية بفعل حيازة العملات المشفرة شركة الطاقة الحرارية الأمريكية “كولر تكنولوجي”، التي تبلغ قيمتها السوقية نحو 211 مليون دولار رغم تسجيلها خسائر تشغيلية بلغت 9.4 ملايين دولار في الربع الأول من العام، بفضل امتلاكها ما قيمته 118 مليون دولار من “البيتكوين”.
وفي المملكة المتحدة حققت شركة تصميم المواقع “ذا سمارتَر ويب” أرباحاً صافية لا تتجاوز 93 ألف جنيه إسترليني في ستة أشهر، لكن قيمتها السوقية بلغت 560 مليون جنيه بفضل امتلاكها 238 مليون جنيه من العملة المشفرة.
التقرير لفت أيضاً إلى أن بعض المستثمرين المؤسسيين ينظرون إلى هذه الشركات كبديل عن الصناديق المتداولة للعملات الرقمية (ETFs)، خصوصاً في دول مثل بريطانيا واليابان حيث تحظر الجهات التنظيمية هذه الصناديق. كما يستفيد بعض المستثمرين من فروقات ضريبية بين مكاسب الأسهم ومكاسب الأصول الرقمية، مثل اليابان التي تفرض ضريبة تصل إلى 55 بالمائة على أرباح العملات المشفرة مقابل 20 بالمائة على أرباح الأسهم، أو البرازيل التي تفرض 17.5 بالمائة على مكاسب العملات الرقمية مقابل 15 بالمائة على الأسهم المحلية.
لكن موجة الحماسة هذه تواجه شكوكاً متزايدة حتى داخل القطاع. فبعض الخبراء يحذرون من أن نموذج العمل الحالي قد يدخل في “حلقة مفرغة” من الحاجة المستمرة لزيادة المشتريات للحفاظ على تقييم السهم، وأن أي تباطؤ في وتيرة الشراء قد يؤدي إلى تراجع سريع في الأسعار. ويقول براين إستس، الرئيس التنفيذي لشركة “أوف ذا تشين كابيتال”، إن “الأمر قد ينتهي بفقاعة، وبالسرعة نفسها التي ارتفعت بها القيم يمكن أن تنهار”.