
الاحتجاج أمام السفارات المصرية ينبه إلى حدود المسؤولية بشأن معبر رفح
أثارت الوقفات الاحتجاجية التي نُظمت أمام السفارات المصرية في عدد من الدول، ومن بينها المغرب، احتجاجا على ما اعتُبر “تواطؤا من القاهرة في تجويع سكان غزة من خلال إغلاق معبر رفح من الجانب المصري”، جدلا واسعا وآراء متباينة داخل الشارع العربي والمغربي؛ بين مدافعين عن مشروعية تحميل الدولة المصرية المسؤولية الأخلاقية والإنسانية تجاه المعاناة المتفاقمة في القطاع وبين منتقدين يرون في استهداف التمثيليات الدبلوماسية المصرية خطوة لا تراعي الواقع الميداني والسياسي لمعبر رفح، وامتدادا لخطاب وأجندات تيارات إسلامية معادية لنظام عبد الفتاح السيسي والعديد من الأنظمة الأخرى في المنطقة.
ولم يمر هذا الموضوع دون إثارة ردود فعل رسمية وإعلامية في القاهرة، حيث دافعت السلطات عن موقفها، معتبرة أن المعبر لم يُغلق من جانبها وأن العرقلة تأتي من سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على الجانب الآخر من المعبر. وفي هذا الصدد، انتقد مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري، أمس الأربعاء، خلال مؤتمر صحافي، ما وصفها بـ”الحملة الممنهجة للنيل والإساءة إلى الدور المصري تجاه القضية الفلسطينية”، مؤكدا أن “إسرائيل دمّرت جانبا من معبر رفح البري؛ مما يعيق إدخال المساعدات إلى قطاع غزة”.
من جهته، شدد بدر عبد العاطي، وزير الخارجية المصري، في تصريحات إعلامية، على أن “معبر رفح من الجانب المصري يعمل على مدار 24 ساعة؛ بينما تحتل إسرائيل المعبر من الجانب الفلسطيني، وقامت بتدميره، وتستهدف أية حركة عليه باستخدام الطائرات”. ونفى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الاثنين، في خطاب متلفز، إغلاق القاهرة للمعبر، مسجلا أن “لدى مصر عددا كبيرا من شاحنات المساعدات المستعدة للعبور إلى غزة وتنتظر فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الذي تسيطر عليه إسرائيل”.
مسؤولية واستثناء
قال أوس الرمال، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، إن “ما بلغته الإبادة الجماعية وجرائم الاحتلال الإسرائيلي من وحشية تجاه فلسطينيي غزة لا يمكن معه لأية دولة لها حدود مباشرة مع فلسطين بحجم مصر أن تتبرأ من مسؤولياتها الأخلاقية في هذا الجانب، وإذا كان لنظام هذه الدولة اتفاقيات أو معاهدات مع الكيان المحتل فهذا شأنه”.
وأضاف الرمال، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أنه “من غير المعقول أو المقبول أن يواصل النظام المصري حماية الاحتلال الإسرائيلي، وأن يحول جيشه الذي كان يُفترض أن يكون قوة لدعم الحق الفلسطيني إلى قوة لحماية المُحتل الإسرائيلي من الفلسطينيين ومن الشعب المصري”.
وأكد رئيس حركة التوحيد والإصلاح أن “الذين يتظاهرون أمام السفارات المصرية، سواء في المغرب أو في دول أخرى، سبق لهم أن تظاهروا أمام سفارات العديد من البلدان المتواطئة مع جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة”، مبرزا أن “التظاهر أمام سفارة مصر يأتي لأن معبر رفح هو المعبر الوحيد القادر على إنقاذ جياع غزة الذين يموتون بشكل يومي، ثم إن هذا المعبر هو بين مصر وفلسطين”.
وتابع المتحدث عينه: “النظام المصري إذا كان يقبل هذا التحكم من جانب الاحتلال، فذلك شأنه؛ إلا أن الشعب المصري لا يمكن أن يبقى في موقف المتفرج على ما يعانيه إخوانه الفلسطينيون، وهناك دعوات من داخل مصر نفسها لفتح المعبر لإدخال المساعدات”، مذكرا بأن “الشعب المصري شعب عظيم، وله مواقف وعلاقات تاريخية دائمة وداعمة للقضية الفلسطينية”.
وسجل أن “مصر هي التي قادت الحروب العربية ضد المحتل الصهيوني، ولم يزايد لا الفلسطينيون ولا المغاربة يوما على مواقفها؛ لكننا نعيش اليوم ظرفا استثنائيا ومستوى غير مقبول من التقتيل والتجويع بالصوت والصورة.. وبالتالي يبقى التظاهر أمام السفارات المصرية هو السبيل الوحيد لحث الدولة المصرية ومناشدتها على تحمل مسؤوليتها تجاه الأشقاء في قطاع غزة”.
وخلص إلى أن “محاولة إلصاق هذه التظاهرات بتيار الإخوان المسلمين وتصويرها على أنها استهداف للنظام المصري هو أمر طبيعي جدا، لأن أي نظام دائما ما يحاول أن يجد مبررات لسياساته، مثلما يفعل نظام الاحتلال نفسه الذي يصوغ مبررات لجرائمه”، مسجلا أن “تيار الإخوان المسلمين لا يوجد في المغرب، والذين خرجوا للتظاهر أمام سفارة القاهرة هم مغاربة يتفاعلون مع قضية أكد ملكهم على مركزيتها وعلى التزام بلادهم بدعمها”.
جهود وعداء
اعتبر محمد جمال، صحافي مصري وباحث في الشؤون السياسية الدولية، في حديث مع جريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن “الموقف الرسمي المصري واضح ومعلن بشكل صريح لا يقبل التشكيك، بناء على الحقائق على الأرض؛ فمصر هي الدولة الأولى في المنطقة التي تحمل على عاتقها عبء القضية الفلسطينية، والأزمة في قطاع غزة، وتقدم كل ما في وسعها لإيجاد تسوية سلمية للقضية الفلسطينية ووقف الحرب في غزة”.
وتابع المتحدث ذاته أن “التظاهرات أمام السفارات المصرية في الخارج، سواء في المغرب أو دول أخرى، لا تستند إلى أية حقائق؛ لأن مصر ليست طرفا في هذه الأزمة. ولذلك، نقول بكل وضوح إنها مظاهرات مدعومة من جهات أو جماعات معادية لمصر. وأكبر دليل على ذلك هو الدعوة للتظاهر أمام السفارة المصرية في تل أبيب. وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: كيف يُترك الطرف الرئيسي المتسبب في المجاعة والحصار في غزة ويتم التظاهر أمام سفارة مصر، وهي فقط طرف مجاور لغزة وإسرائيل، ولديها معبر مفتوح ولم يُغلق من الأساس من جانبها؟ وهذا أكبر دليل على أن هناك جهات معادية لمصر تدعو إلى هذه التظاهرات، إلى درجة أنها وصلت إلى تل أبيب”.
وشدد على أن “معبر رفح له جانبان: جانب مصري مفتوح، وجانب فلسطيني آخر خاضع لقوة احتلال، هي من تفرض سيطرتها عليه؛ لكن إذا تمكن أحد من غزة من الوصول إلى الجانب المصري من معبر رفح، هل ترفض مصر دخوله؟ قطعا لا.. وبالتالي، فالأمر مرتبط بالجانب الآخر من المعبر، وليس الجانب المصري”.
وأكد أن “القاهرة تملك أوراقا للضغط على إسرائيل، أولاها أن مصر تربطها معاهدة سلام مع إسرائيل، وكان هناك تلويح مصري بتعليق المعاهدة، فضلا عن عمل مصر على حشد موقف دولي بشكل مستمر لوقف العدوان على غزة”، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن “طبيعة العلاقة في هذه المنطقة الحساسة تستلزم التنسيق بين الجانبين، فإذا لم يكن هناك تنسيق، سوف تتفجر الأزمة بشكل أكبر، ولن يتمكن أي من الطرفين من منع التحرشات العسكرية المحتملة بينهما”.
وخلص الصحافي المصري إلى أن “هناك جهات أو جماعات معادية لمصر تقف خلف هذه التظاهرات، وخير دليل على ذلك دعوة ما يُسمى بـ”اتحاد أئمة الداخل الفلسطيني” للتظاهر أمام السفارة المصرية في تل أبيب، وهو محسوب على تيار الإسلام السياسي، هذا فضلا عن التناول الإعلامي لهذه التظاهرات، إذ يمكنكم النظر إلى الجهات والمؤسسات التي تتناول الأمر، وهي في أغلبها تتبنى موقفا معاديا لمصر ويتماشى مع أجندة تيار الإسلام السياسي، فضلا عن اللجان الإلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي”.
محركات خارجية
اعتبر البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع، أن “استهداف المصالح الدبلوماسية المصرية في المغرب من خلال وقفات معزولة جماهيريا، يؤكد حقيقة واحدة، وهي خدمة بعض الأطراف الداخلية بالمغرب لأجندات خارجية مشبوهة، في محاولة للإضرار بالسياسة الخارجية للمملكة واستهداف مواقف المملكة نفسها من القضية الفلسطينية”.
وأضاف البراق، في حديث مع جريدة النهار، أن “محرك استهداف المصالح الدبلوماسية المصرية في الرباط، بالتظاهر أمام مقر السفارة واتهام القاهرة بالتورط في تجويع الفلسطينيين، هو نفسه محرك التظاهرات التي خرجت لإدانة ما سُمي حينها أيضا “تواطؤا مغربيا” مع إسرائيل في حربها، من خلال إطلاق ادعاءات عن رسو سفينة محملة بأسلحة موجهة إلى إسرائيل في ميناء طنجة المتوسطي، وهو الشيء ذاته في مخطط استهداف شخصيات وطنية مغربية بشعارات عنصرية في بعض التظاهرات”.
وأبرز الخبير ذاته أن “كل هذه الأحداث تؤكد أن التيارات الإسلاموية، سواء على المستوى الإقليمي أو الوطني، إنما تستخدم القضية الفلسطينية لترصيص صفوفها وإعادة تموقعها السياسي والانتخابي، من خلال الركوب على القضية الفلسطينية لتصفية حساباتها مع الأنظمة السياسية، على حساب معاناة الشعب الفلسطيني في غزة، الذي يتعرض لعملية إبادة حقيقية واضحة المعالم، تتطلب تدخلا دوليا عاجلا، وليس المزايدة على مواقف الدول”.
وتابع بأن “المملكة المغربية دولة ذات سيادة ومواقف مستقلة، مرتبطة بالمصالح العليا للشعب المغربي ومتطلبات الأمن القومي المغربي، ولا تقبل بأي حال من الأحوال الإملاءات الخارجية من أي طرف؛ بل إن المملكة المغربية هي من طليعة الدول العربية والإسلامية التي سارعت إلى شجب العدوان على مدنيي غزة، وتقديم المساعدات الطبية والإنسانية، ودعمها الدائم للجهود السياسية لوقف الحرب، وإعادة المسار التفاوضي إلى سكته الحقيقية، للبحث عن حل تفاوضي مستدام يضمن العيش الكريم والآمن لكل شعوب المنطقة”.
وخلص إلى أن “الشعب المغربي على وعي متقدم بطبيعة التحديات الجيوسياسية المطروحة، وبصدق المواقف الملكية السامية، التي تعكس التزام الشعب المغربي بدعم القضايا العادلة في الملف الفلسطيني، وبزيف المواقف السياسوية الضيقة والانتخابوية العابرة لبعض التنظيمات، باستخدام القضية الفلسطينية كأصل تجاري لتحقيق مكتسبات سياسية. لذلك، تبقى هذه الوقفات المشبوهة صيحة في وادٍ أمام الثقة الجارفة بين المؤسسة الملكية والشعب المغربي، هذا الشعب المدرك لحجم التضحيات التي قدمها ويقدمها المغرب نصرة للشعب الفلسطيني منذ عقود”.