
المقاول الذاتي يتأرجح بين تشجيع المبادرة الحرة واستغلال الشركات الكبرى
يثير العمل بنظام “المقاول الذاتي” في المغرب جملة من التساؤلات، بعدما تم التسويق له خلال السنوات الماضية كحل بديل لدعم الشغل والمبادرة الفردية، مما كان وراء تحفيز العديد من العاملين في القطاع الخاص للانخراط فيه.
وفي فبراير 2015، صدر الظهير الشريف رقم 1.15.06 المتعلق بتنفيذ القانون رقم 114.13 الخاص بهذا النظام. ومنذ إطلاقه، سُجِّلت ملاحظاتٌ بشأن مدى فعالية هذا الأخير في تطوير المبادرة الحرة، خاصة بعد لجوء عدد من الشركات، بما فيها مؤسسات عمومية، إلى اعتماده بدلا من التشغيل بموجب عقود محددة أو غير محددة المدة.
وكانت معطيات صادرة عن “المديرية العامة للضرائب” قد كشفت أن عدد المقاولين الذاتيين في المغرب بلغ 431 ألفًا و150 شخصا، بعدما كان عدد المنخرطين في هذا النظام يلامس 300 ألف خلال سنة 2023.
وفي ظل الإشكالات المرتبطة بالوضعية الاجتماعية للمقاولين الذاتيين وبمدى إمكانية الاستمرار في العمل بنظام المقاول الذاتي في صيغته الحالية، يدعو محللون وباحثون اقتصاديون إلى فتح نقاش عمومي موسع لتقييم هذا النظام وتجويده بما من شأنه فتح المجال أكثر أمام المبادرة الحرة.
وأكد محمد جدري، محلل اقتصادي، أن “الوقت حان لفتح نقاش حول نظام المقاول الذاتي في المغرب، الذي أُحدث بهدف إدماج العاملين في القطاع غير المهيكل ضمن منظومة الاقتصاد الرسمي، لكنه انحرف عن مساره وبات عالقًا في عنق الزجاجة”.
وأوضح جدري، في تصريح لجريدة النهار، أن “هذا النظام جانب، نوعا ما، أهدافه الأصلية؛ فقد أصبحت بعض المقاولات تفرضه على المتعاونين معها للتخلص من أعباء الاشتراكات الاجتماعية والتكاليف المرتبطة بالتشغيل المباشر”.
وأضاف: “كان الهدف من النظام هو تمكين المقاولين الذاتيين من الاستفادة من الطلبيات العمومية والخاصة، إلى جانب مجموعة من التحفيزات، مثل الهوامش الضريبية المحددة في 0.5 في المائة للأنشطة الصناعية والتجارية، و1 في المائة للأنشطة الخدماتية. غير أنه، عند تجاوز رقم معاملات قدره 80 ألف درهم مع زبون واحد، ترتفع النسبة إلى 30 في المائة، ما يشكّل عبئًا جديدًا”.
ورغم كل هذه الحوافز، سجّل المتحدث أن “الوضعية الراهنة وممارسات بعض المنصات الرقمية التي تفرض النظام على المتعاونين، تفرض إعادة النظر فيه، مع ضرورة فتح نقاش حول مآله والإمكانيات المطروحة لتطويره”.
كما أشار جدري إلى أن “إعادة تقييم نظام المقاول الذاتي يجب أن تشمل الجوانب القانونية والاقتصادية، بهدف تحسين شروطه وفتح آفاق أوسع للمسجلين فيه، من أجل رفع رقم معاملاتهم، والتحول لاحقًا إلى مقاولات ذات مسؤولية محدودة”.
من جهته، قال إدريس العيساوي، خبير في الشؤون الاقتصادية، إن “نظام المقاول الذاتي، الذي بلغ عشر سنوات من اعتماده بالمغرب، أسهم في معالجة بعض إشكالات القطاع غير المهيكل، وكان مفيدًا أيضًا لبعض المقاولات التي استفادت من تخفيف الأعباء الاجتماعية والضريبية”.
وأوضح العيساوي، في تصريح لجريدة النهار، أن “من بين الإشكالات المرتبطة بالنظام، مسألة الأداء الضريبي بنسبة 30 في المائة عند تجاوز رقم معاملات يبلغ 80 ألف درهم مع شريك واحد”، متسائلا إن كان الوقت قد حان لمراجعة شاملة لنظام المقاول الذاتي، “استجابةً للملاحظات الاجتماعية والاقتصادية المطروحة بشأنه، وفي أفق ملاءمته مع التحولات التي يشهدها سوق الشغل والاقتصاد الرقمي بالمغرب”.