في ظل تنامي المخاوف الفلاحية بمناطق مختلفة من المغرب، عاد الحديث مجددا هذا الموسم عن الحشرة القرمزية التي تهاجم نبتة الصبّار، المعروفة محليا بـ”الهندية”، بعدما رُصدت آثارها في عدد من الحقول، خاصة بالمناطق التي لم تُعالج زراعاتها في السنوات الماضية. وقد أعادت هذه الآفة إلى الواجهة تحذيرات مهنيين وخبراء من مخاطر انتشارها وتأثيرها على جودة الفاكهة وسلامة استهلاكها.
ومع قرب بداية موسم جني الصبّار، عادت المخاوف لتطفو على السطح بعد رصد مؤشرات متكررة لعودة الحشرة القرمزية، خاصة في ضواحي آسفي وتارودانت، حيث سبق أن سجلت إصابات واسعة في صيف السنة الماضية وفق تقارير رسمية.
هذا الموسم، أكدت جمعيات مهنية ومدنية، من بينها رابطة يد الفلاح وجمعية الدفاع عن البيئة القروية، في اتصالات مع جريدة النهار، تسجيلها لآثار الإصابة مجددا في حقول لم تخضع للمعالجة المنتظمة؛ ما أثار قلقا كبيرا بشأن جودة المنتوج وسلامة استهلاكه.
وتُعزى هذه المخاوف إلى الانتشار المتسارع للحشرة القرمزية، التي تلتصق بألواح نبتة الصبّار وتتغذى على عصارتها؛ مما يفضي إلى ذبولها وذبول الثمار قبل نضجها التام. وقد حذر خبراء ومهنيون، تحدّثوا إلى جريدة النهار، أن أضرار هذه الآفة لا تقتصر على الجوانب الزراعية فحسب؛ بل تمتد لتنعكس سلبا على جودة المنتوج من حيث الطعم والقيمة الغذائية، وهو ما زاد من حذر المستهلكين في الموسم الحالي.
تهديد صامت
من جانبه، قال عبد الحكيم، فلاح مهني متخصص في زراعة الفواكه، إن الحشرة القرمزية تُعد من أخطر الآفات التي تضرب نبتة الصبّار في عمقها البنيوي، وليس فقط على السطح.
وبيّن الفلاح المهني أن هذه الحشرة تلتصق بقاعدة الألواح، وتُحدث ثقوبا دقيقة تتسلل عبرها إلى داخل النبتة؛ ما يؤدي إلى تيبّس تدريجي للألواح، وانكماش النبتة وفقدانها القدرة على إنتاج الثمار.
وأوضح المتحدث أن خطورة الحشرة تكمن في قدرتها السريعة على التكاثر والانتشار، حيث يمكن لبؤرة صغيرة أن تخرج عن السيطرة خلال أقل من أسبوعين إذا لم تتم معالجتها بوسائل فعالة.
وأضاف أن الحقول المصابة تعاني، أيضا، من ضعف خصوبة التربة بسبب الإفرازات التي تخلفها هذه الحشرة؛ مما يؤثر على الدورة الزراعية بأكملها، ويزيد من هشاشة المنظومة الفلاحية في المناطق المتضررة.
وأكد عبد الحكيم، في تصريحه لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن دورة حياة هذه الحشرة تبدأ بوضع البيوض على سطح الألواح، لتفقس بعد أيام قليلة وتبدأ اليرقات في امتصاص عصارة النبتة، مسببة جفافها وذبولها تدريجيا.
وأبرز أن سرعة انتشار العدوى تجعل السيطرة عليها معقدة، خصوصا إذا لم تُباشر عملية المعالجة في الوقت المناسب؛ وهو ما يُهدد مردودية المحاصيل، ويؤثر سلبا على جودة الصبّار الموجه للاستهلاك.
وأشار عبد الحكيم إلى أن الآثار المباشرة للحشرة لا تقتصر على الشكل الخارجي للثمرة فقط؛ بل تمتد لتشمل مكوناتها الداخلية، إذ تلاحظ تغيرات في الطعم وانخفاض في نسبة السكريات، فضلا عن تغير لون اللب أحيانا، ما يُفقد الفاكهة قيمتها التسويقية.
وفي هذا الصدد، دعا الفلاحين إلى الالتزام بخطط الوقاية المعتمدة، وعدم تسويق الثمار القادمة من الحقول المتضررة، حماية لصحة المستهلكين ولسُمعة هذا المنتوج الزراعي الوطني.
فقدان القيمة
وفي الجانب الصحي، شدّدت الدكتورة مونة خيري، خبيرة في علم التغذية بمدينة فاس، على أن الخطر في استهلاك فاكهة الصبّار المصابة لا يكمن فقط في فقدان بعض خصائصها الغذائية؛ بل في إمكانية تسرّب عناصر ضارة إلى جسم الإنسان، خاصة لدى الفئات الهشة كالأطفال والمصابين بأمراض مزمنة.
وأشارت خيري، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، إلى أن الحشرة القرمزية قد تُخلّف بقايا سمّية على سطح الثمار أو داخلها، يصعب رصدها بالعين المجردة؛ ما يجعل الاستهلاك العشوائي لهذه الفاكهة في غياب المراقبة الصحية مصدر قلق فعلي.
وبيّنت الخبيرة في علم التغذية أن تناول فاكهة الصبّار المصابة قد يحمل تبعات صحية خفية، خاصة لدى الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة أو الذين يعانون من اضطرابات هضمية مزمنة، مؤكدة أن الحشرة القرمزية تفرز مركّبات قد تؤثر على توازن المكونات الغذائية داخل الثمرة؛ ما يقلل من فائدتها ويجعلها غير آمنة في بعض الحالات.
ونبّهت المتحدثة عينها إلى أهمية التوعية بطرق اختيار الثمار السليمة، داعية المستهلكين إلى تحرّي الشكل والرائحة وملمس الفاكهة قبل اقتنائها.
كما نصحت خبيرة التغذية بالحرص على غسل فاكهة الصبّار جيدا وتنظيفها قبل التناول، حتى لو بدت خالية من العيوب الظاهرة، معتبرة أن الوقاية تبقى السبيل الأنجع لتفادي أي انعكاسات صحية غير مرغوب فيها.
وأكدت مونة خيري أن اعتماد معايير صارمة في مراقبة جودة الفاكهة المطروحة في الأسواق سيساهم في حماية المستهلك وتعزيز الثقة في هذا المنتوج الذي يحتل مكانة مميزة في الثقافة الغذائية المغربية.