“نقاش مستفيض” بين الأكاديميين والخبراء الأفارقة من المغرب ودول أخرى ضمن النسخة الثالثة من “الندوة الاقتصادية لإفريقيا 2025” حول تأثيرات التحولات الجيو-سياسية العالمية على القارة السمراء.
الندوة التي نظمها “مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد”، مساء اليوم الاثنين بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات بالرباط، حملت شعار “خيارات جريئة في ظل التحولات العالمية”.
وقال كريم العيناوي، الرئيس التنفيذي لمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد (PCNS)، إن “هذه الدورة تشهد تقديم التقرير السنوي السادس حول اقتصاد إفريقيا”.
وأضاف العيناوي أن الهدف دائما هو “خلق فضاء في القارة لعلمائها وصنّاع السياسات فيها، الذين لديهم شغف بالعلوم وتحليل وفهم السياسات العامة، ومن خلاله يمكن مناقشة وتبادل الآراء حول تحديات العام، بالإضافة إلى التحديات الهيكلية متوسطة وطويلة الأمد”.
وأورد الرئيس التنفيذي لمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد أنهم في المركز “يؤمنون حقًا بأنه يمكنهم إنشاء طريقة أفضل في المزج بين صياغة السياسات العامة والعلم والأوساط الأكاديمية والبيانات والوقائع والتحليل التجريبي والموهبة أينما وُجدت، سواء في الإدارات العمومية أو المؤسسات الأكاديمية والعلمية”.
وتابع: “السياسات القائمة على القوة، وسياسات التجارة التي تُحدث صدمات للعديد من الدول، وتراكم الأعباء المالية بعد جائحة كوفيد، وصراعات السياسات المالية والضريبية الممتدة على مدى 15 سنة الماضية… إنه وضع عالمي صعب حقًا”، مشيرا إلى أن الاستقطاب السياسي في العالم والتجزؤ، سيجعلان ذلك التوازن الذي تسعى الحكومات لتحقيقه أمرًا معقدًا جدًا.
وناقشت الندوة محاور “التحديات الكبرى التي تواجه الاقتصاد الكلي في القارة”، و”محركات التحول الاقتصادي في إفريقيا”.
ويرى إيمانويل أوسو-سيكييري، رئيس مركز “African Center for Economic Transformation”، وهو مركز أبحاث واستشارات اقتصاديّة غير ربحي يقع في أكرا، غانا، أن القارة السمراء على وقع “تصدير المواد الخام واستيراد السلع المصنعة، ما يجعلنا عرضة للصدمات العالمية”.
وأضاف أوسو-سيكييري أن الأسواق الداخلية بإفريقيا ضعيفة، وتعيش على وقع توزيع عوائد النمو بطريقة غير عادلة، وذلك مع تأثير كبير للسياسات الخارجية.
وزاد: “التضخم في الغالب ناتج عن عوامل خارجية، مما يقلل من قدرة البنوك المركزية الإفريقية على التحكم فيه”.
وعرج الخبير الاقتصادي الغاني على صعوبات البيئة التي تعمل فيها البنوك المركزية الإفريقية، مشيرا إلى أن البنوك المركزية في إفريقيا تعمل وسط ضعف في التنسيق بين السياسات النقدية؛ حيث تواجه هذه المؤسسات بيئة معقدة ومليئة بالصدمات المتنوعة، ما يصعّب مهمتها في تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
من بين هذه الصدمات، وفق المتحدث، تلك المرتبطة بجائحة كوفيد التي بدأت كأزمة صحية وتحولت إلى أزمة اقتصادية، وتغير المناخ الذي يؤثر على الأمن الغذائي والطاقة، والحروب (مثل حرب أوكرانيا وغزة)، بالإضافة إلى صعود القومية الجيو-سياسية والتجزؤ العالمي، مما يؤدي إلى اضطرابات في سلاسل التوريد وزيادة التضخم.
وقال: “هذه الصدمات تسببت في تباطؤ النمو، وارتفاع البطالة والتضخم، وتراجع الإيرادات، وضيق في الحيز المالي، وأزمات ديون، وهيمنة مالية قلصت من فعالية السياسة النقدية، وهددت استقلالية البنوك المركزية”.
في هذا السياق، أوصى المتحدث بتوسيع صلاحيات البنوك المركزية لتلعب دورًا فاعلًا في التحول الاقتصادي، والتمييز بين أدوات السياسة النقدية ونتائجها لتحقيق توافق أفضل مع أهداف النمو ورفاه الإنسان، مع تعميق الأنظمة المالية من خلال تعزيز الشمول المالي والحد من التهميش، والرقمنة والتكنولوجيا المالية.