
دراسة: “فساد الشركات” ينعكس على تنافسية المغرب في الأسواق العالمية
تحت عنوان “الفساد وديناميات الأعمال في المغرب” اقتَفت دراسة بحثية جديدة، نشرت حديثاً شهر يوليوز الجاري، تداعيات وتأثيرات متعددة الأبعاد للفساد على دينامية المقاولات في المغرب، مستعينةً بأدلة من مسح المقاولات التابع للبنك الدولي؛ فيما كشفت أن “الفساد في المغرب له تأثير مزدوج، داخليا وخارجيًا، على أداء الشركات”.
الدراسة التي طالعت جريدة جريدة النهار نسخة منها أنجزها باحثون مغاربة من قسم الاقتصاد في جامعة ابن طفيل– القنيطرة (وهُم شيماء كريشي، مريم لواء الدين، أيوب السعدي، وزكرياء منصوري)، وجاءت مستندةً إلى بيانات “استقصاء الشركات” للبنك الدولي لعام 2023، وشملت 554 شركة مغربية. واستخدم الباحثون منهجية “المطابقة بالدرجة الاحتمالية” (المعروفة اختصاراً بـ PSM) لقياس التأثير السببي للفساد على المبيعات المحلية والأداء التصديري للمقاولات موضوع الدراسة.
وكشفت النتائج المتوصل إليها من طرف الفريق البحثي المختص عن “مفارقة” صارخة: “فبينما تُسجِّل الشركات المعرضة للفساد زيادة كبيرة في مبيعاتها في السوق المحلية تعيق هذه الممارسات قدرتها على التصدير وتحُد من توسعها الدولي”.
وتتناول هذه الدراسة “التأثيرات متعددة الأبعاد للفساد على أداء المبيعات المحلية والصادرات لدى الشركات المغربية”، مستهدفةً “فهم الكيفية التي يؤثر بها الفساد، بأشكاله المختلفة، على سير الأعمال التجارية (البيزنس) والتجارة الدولية”.
واعتمدت الدراسة على بيانات مستمدة من مسح المؤسسات الذي يُجريه البنك الدولي، الذي شمل 554 شركة مغربية، إذ تم استخدام تقنية المطابقة على أساس درجات الاحتمال لتحليل تأثيرات الفساد، كما تم قياسه من خلال “دفع الرشاوى”.
“تأثير مزدوج”
وقد أظهرت النتائج، حسب الباحثين، أن “للفساد تأثيراً مزدوجاً على أداء الشركات؛ إذ ارتبط دفع الرشاوى بزيادة كبيرة في المبيعات المحلية، غير أن هذه الممارسات الفاسدة تفرض تكاليف إضافية تؤثر سلباً على الأداء التصديري.
وأشار معدّو الدراسة إلى “الدور المعقَّد للفساد في العمليات التجارية، إذ قد يوفر بعض المكاسب على المدى القصير داخل السوق المحلي إلا أنه يُشكل في الوقت ذاته عائقاً كبيراً أمام الانفتاح على الأسواق الدولية”.
وتبرز “ضرورة ملحة لتعزيز آليات مكافحة الفساد، وتحسين سبل الولوج إلى التمويل، خاصة لدعم أنشطة التصدير لدى المقاولات الصغرى والمتوسطة”، بحسب ما أوصى به الباحثون الاقتصاديون سالفو الذكر.
تفاصيل النتائج
جاء في أهمّ نتائج الدراسة التي نشرتها المجلة المتخصصة للأبحاث “Journal of the International Council for Small Business” أن “30 في المائة من الشركات المغربية صرّحت بتعرضها لطلب رشوة، مقابل معدل إقليمي يبلغ %17 فقط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.
كما أشارت أهم الخلاصات إلى أن “16 في المائة من الشركات تَعتبر الفساد عائقاً رئيسيًا، يليه القطاع غير المهيكل (بنسبة 22 في المائة)”.
ولوحظ أيضا أن “الفساد ساهم في زيادة المبيعات المحلية بنسبة 9,1 في المائة، ما يشير إلى استخدام الرشاوى لتجاوز البيروقراطية داخليًا”.
وفي المقابل “تراجعت كثافة التصدير بنسبة 9 في المائة بين الشركات التي تواجه الفساد، ما يعكس أثره السلبي على تنافسية المغرب في الأسواق العالمية”.
وأجمل الباحثون من جامعة ابن طفيل بأن “الفساد لا يؤثر بشكل موحّد، بل يَظهر كآلية غير رسمية تساعد بعض الشركات على تجاوز العقبات المحلية، لكنه يُعيق تطورها الخارجي ويزيد من تكاليفها، خاصة على مستوى التصدير”.
توصيات الدراسة
أبرز التوصيات التي ساقتها الدراسة “تعزيز الشفافية الإدارية من خلال رقمنة الخدمات، وتوحيد المساطر وتقليص نقاط الاتصال بين الإدارة والشركات”؛ كما نادت بـ”تحفيز الابتكار دون عوائق بيروقراطية، لأن الشركات المستثمِرة في البحث والتطوير كانت الأكثر تعرضًا للرشوة”، موصية أيضا بـ”مواكبة المقاولات المصدّرة بإصلاحات جمركية وإدارية تعزز ولوجها للأسواق الخارجية، خاصة الصغيرة والمتوسطة منها”.
كما أثارت الدراسة الانتباه إلى ضرورة “تفعيل الدور الرقابي للسلطات الجهوية؛ لأن الفروق في الإدراك بين المناطق تشير إلى تفاوت في نجاعة الحكامة المحلية”، وختمت بتوصية مفادها أهمية “إشراك القطاع الخاص في جهود مكافحة الفساد، من خلال اعتماد مدونات سلوك وتشجيع ثقافة المسؤولية الاجتماعية في الوسط المقاولاتي”.