الرياضات الشعبية والنخبوية تسائل تحقيق العدالة الاجتماعية وتفاوت الفرص

تثار في المغرب جدلية حول مدى تكافؤ فرص ممارسة الرياضة، حيث يرى البعض أن بعض الرياضات ارتبطت منذ القدم بالطبقات الميسورة، مثل الغولف والمضرب والفروسية، بينما يواجه شباب الأحياء الشعبية حواجز تدفعهم نحو الرياضات الشعبية فقط.

تعيد هذه الفوارق إلى الواجهة تساؤلات حول مدى قدرة الرياضة على كسر الحواجز الاجتماعية أو تعزيزها، وما إذا كانت تمثل وسيلة للترقية الاجتماعية أو تعبيرا عن التفاوتات القائمة، إلى جانب نقاش حول ضرورة اعتماد سياسة رياضية شاملة تضمن تكافؤ الفرص لجميع الشباب بغض النظر عن أصولهم الاجتماعية.

إعلان الرياضات الشعبية والنخبوية تسائل تحقيق العدالة الاجتماعية وتفاوت الفرص

الرياضة والترقي الاجتماعي

حسن قرنفل، أستاذ علم الاجتماع، قال إن “الرياضة لا تساهم بالضرورة في الترقّي الاجتماعي، أو على الأقل لا يمكن القول إنها تتيح فرصا كبيرة لذلك”، مضيفا أن “النجاحات في المجال الرياضي تبقى ضئيلة إذا ما قورنت بعدد الممارسين، فيما يتوقف الاهتمام غالبًا عند لاعبين كبار يتقاضون أجورًا خيالية، وهم فئة قليلة بين آلاف يستثمرون دون نتائج منتظرة”.

وأوضح قرنفل، في تصريح لجريدة النهار، أن “النجاح الرياضي لا يتحقق فقط بالممارسة، بل يرتبط بعوامل عدّة؛ أولها توفر الموهبة والإمكانيات البدنية، ثم الإرادة والعزيمة التي يتحلى بها الرياضي، بالإضافة إلى ضرورة التوفر على دعم ومرافقة من طرف فريق، سواء من الأسرة أو من الجمعيات الرياضية التي تواكب المسار”.

وسجّل المتحدث أن “الرياضة تعرف تفاوتات اجتماعية واضحة؛ إذ إن بعض الأنواع تتطلب معدات باهظة الثمن، مثل الفروسية والغولف والتنس، ما يجعلها رياضات نخبوية لا تمارس من طرف فئات واسعة، بل تكرّس الانتماء الطبقي والاجتماعي، وهذه الظاهرة ليست خاصة بالمغرب، بل موجودة في مختلف أنحاء العالم”.

وأكد الأستاذ الجامعي أن “تكافؤ الفرص في المجال الرياضي يظل حلما بعيد المنال، لأن النجاح فيه لا يتاح للجميع”، موردا أن “المواهب متفاوتة بين الأفراد، ولا يمكن للدولة أن تستثمر في كل من يرغب في ممارسة الرياضة أو احترافها، لكون المجهود الأكبر يقع على عاتق الأفراد وتضحياتهم الذاتية”.

وختم حسن قرنفل تصريحه بالتشديد على أن “مسؤولية الدولة لا تتجلى في دعم كل طموح فردي، بل في توفير بنية تحتية رياضية مناسبة، من ملاعب وقاعات مغطاة، تتيح ممارسة شاملة لمختلف الأنواع الرياضية في إطار من العدالة والمساواة بين جميع المواطنين”.

“الثقافة تحدد الاختيارات”

مصطفى السعليتي، أستاذ علم النفس الاجتماعي، قال إن “تحليل العلاقة بين الرياضة والشباب المنتمين إلى طبقات اجتماعية مختلفة في المغرب يقتضي استحضار المقاربة السوسيولوجية والسيكوسوسيولوجية، خاصة من خلال أعمال بيير بورديو، الذي أبرز أن اختيارات الأفراد في مجالات الفن والرياضة والثقافة تتأثر بالانتماء الطبقي ومستوى العيش والذوق الثقافي”.

وأوضح السعليتي، في تصريح لجريدة النهار، أن “الذوق ليس فرديا صرفًا، بل يرتبط بثقافة الجماعة، وله أبعاد سوسيولوجية وسيكولوجية؛ وهو ما صاغه بورديو ضمن مفهوم ‘الهابيتوس’ الذي يعني ميولا فردية ناتجة عن تأثيرات اجتماعية، تتكون منذ الطفولة وتوجه اختيارات الأفراد سواء في الدراسة أو الفن أو الممارسة الرياضية”.

وأكد المتحدث ذاته أن “الاختيارات الرياضية لا تكون دائمًا بدافع الاغتناء أو الطموح نحو الترقي الاجتماعي، بل قد تكون مرتبطة بمجرد هواية شخصية، أو رغبة ذاتية في ممارسة نشاط مفيد بدنيا أو ممتع من حيث الذوق، دون أن يكون الهدف هو الوصول إلى الشهرة أو المراكز الاقتصادية”.

وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن “الرياضة تعد بالنسبة للفئات الفقيرة، بل وحتى المتوسطة، أحيانا الوسيلة الوحيدة لتحقيق الذات، خاصة حين تغلق الأبواب في وجوههم، وهذا ما يظهر في نماذج من أمريكا اللاتينية، حيث أنقذت كرة القدم، باعتبارها رياضة شعبية، الآلاف من الأطفال من الفقر ومنحتهم مسارا نحو الشهرة والغنى”.

“حلم محفوف بالمخاطر”

وأضاف مصطفى السعليتي أن “نجاح بعض الفقراء في بلوغ النجومية يجعلهم قدوة لشباب آخرين، فينشأ حلم جماعي بالنجاح عبر الرياضة، لكن هذا الحلم سلاح ذو حدين؛ لأن تحقيقه يتطلب الموهبة والحظ، في سياقات تفتقر غالبًا إلى فرص الاندماج المهني والثقافي، مما يجعل الرياضة الطريق الوحيد الممكن، رغم مخاطره”.

وتابع أستاذ علم النفس الاجتماعي قائلا: “رغم أن نسبة النجاح في هذا المسار ضئيلة، إلا أن تأثيرها في خيال المراهقين كبير؛ فيحلم الكثير منهم بأن يصبحوا مثل نيمار وغيره من نجوم كرة القدم، ما يجعل طموحهم معلقًا على احتمالات ضئيلة، وهو ما قد يؤدي إلى الإحباط والانحراف في حال فشلهم دراسيا ورياضيا”.

وشدد السعليتي على أن “الاستثمار في الرياضة ضرورة مجتمعية، لما لها من أدوار نفسية وصحية واجتماعية؛ فهي تقي من الانحراف والمخدرات، وتسهم في بناء شخصية المواطن، ولذلك ينبغي أن تحظى بأهمية كبرى، مع ضرورة التوفيق بين الممارسة الرياضية والمسار الدراسي حتى لا يقع الشباب في التهميش”.

واختتم مصطفى السعليتي توضيحه بالقول إن “الخطير في التجربة المغربية هو الفصل التام بين الرياضة والدراسة؛ إذ يمارس عدد من الشباب الرياضة في المراكز والنوادي دون تتبع لمسارهم الدراسي، ما يجعلهم عرضة للفشل في الجانبين، ويدفع بهم إلى مسارات غير آمنة، في غياب سياسة تدمج بين المجالين بشكل متوازن”.

زر الذهاب إلى الأعلى