مقتل ضباط في قصف إيران يفضح ورطة العسكر الجزائري مع طهران

كشفت تقارير إعلامية متطابقة مصرع ضباط جزائريين أثناء الهجوم الجوي الذي شنّته إسرائيل على مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني في طهران، متطرقة إلى مقتل أربعة عناصر جزائرية برتب عالية، وهم لمين زوقار ومصطفى دحروش والسعيد راشدي وتاج الدين مغولي.

وتفتح هذه الواقعة باب التساؤل عن حدود التعاون العسكري بين الجزائر وطهران، لاسيما في ظل غياب أي إعلان رسمي عن وجود عسكري جزائري في إيران، كما يسجل مقتل هؤلاء الضباط ضمن انخراط الجزائر في صراعات إقليمية خارج أراضيها.

ويضع هذا التطور عسكر الجزائر أمام ضرورة تقديم توضيحات داخلية وخارجية بشأن حدود انخراط البلاد في صراعات لا تمسّها مباشرة، ويثير الجدل بشأن توظيف الموارد الأمنية والاستخباراتية خارج نطاق الدفاع الوطني.

تحوّل العقيدة

يرى أحمد العبدلاوي، الخبير المغربي في الإستراتيجيات الدبلوماسية، أن التقارير الإعلامية التي تحدّثت عن وجود ضباط جزائريين في مواقع إيرانية مستهدفة تكشف عن تحوّل نوعي في العقيدة العسكرية الجزائرية، ويؤكد أن الجزائر التي لطالما زعمت أنها تبني سياستها الخارجية على الحياد وعدم التدخل أظهرت المستجدات الأخيرة توجّهًا تدريجيًا لها نحو انخراط أمني وعسكري ضمن محور الممانعة، الذي تقوده اليوم إيران منفردة بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، ويوضح أن “هذا الانخراط، إن تأكد، لا يعبّر فقط عن موقف سياسي، بل يُترجم تحوّلاً جيو-إستراتيجياً يضع الجزائر في صلب معادلة إقليمية متوترة تتجاوز حدودها الجغرافية”.

ويضيف العبدلاوي، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن “هذا الانخراط يحمل أبعادًا مزدوجة: من جهة هو محاولة جزائرية لخلق توازن إستراتيجي في مواجهة المغرب، في ظل تعميق الرباط شراكاتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية، ومن جهة أخرى هو رهان محفوف بالمخاطر، بالنظر إلى هشاشة التوازنات الإقليمية واحتمال دخول الجزائر في حسابات انتقامية أو عقوبات دولية إذا تم تأكيد مشاركتها العسكرية غير المعلنة”.

ويشدد الخبير المغربي على أن هذه التطورات تضع الجيش الجزائري أمام مسؤولية توضيح معالم تحركاته الإقليمية، خاصة في ظل ما يشهده الداخل من نقاشات متزايدة حول دور المؤسسة العسكرية في السياسة الخارجية.

العبدلاوي، الأستاذ الزائر في جامعة مدريد، يختم تصريحه بالإشارة إلى أن “التحالفات الظرفية قد تتحول إلى ارتدادات دائمة إذا لم تُضبط وفق رؤية إستراتيجية متبصرة”، مشددًا على أن “غياب التوضيح الرسمي من الجزائر قد يُفهم كإقرار ضمني، أو على الأقل كاختيار مدروس لتفادي الانخراط في تصعيد إعلامي غير محسوب في لحظة إقليمية شديدة الحساسية”.

انحراف إقليمي

يرى سامح العلي، المحلل المصري المتخصص في قضايا إفريقيا والشرق الأوسط، أن الحديث عن مقتل ضباط جزائريين في ضربات إسرائيلية استهدفت مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني يُمثل “كشف القناع عن واحدة من أكثر التحالفات الرمادية في المنطقة”.

ويؤكد العلي أن “العلاقة بين الجزائر وإيران تجاوزت منذ سنوات إطار التضامن الدبلوماسي أو الدعم السياسي المتبادل، وأضحت تتجه نحو تنسيق أمني وإستراتيجي قد يشمل تدريبات عسكرية ونقلًا تكنولوجيًا في مجالات الدفاع والطيران المسيّر”.

ويحذّر المحلل ذاته من أن هذا التطور “لن يُقرأ بهدوء في العواصم المؤثرة بالمنطقة، خصوصًا الرباط والقاهرة وباريس”، مضيفًا أن هذا المسار قد يضع الجزائر في مرمى الضغط الدولي، ويزيد من عزلتها الجيوسياسية في حال تأكد دعمها المباشر قدرات طهران العسكرية في ظرف إقليمي بالغ الحساسية.

ويُضيف العلي، في تصريحه لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن هذه العلاقة الجزائرية الإيرانية ليست معزولة عن السياق الجيوسياسي المتغير في إفريقيا، خاصة بعد انكفاء النفوذ الفرنسي، وبروز قوى إقليمية تبحث عن تموضعات جديدة.

وزاد الخبير المصري: “الجزائر، بحكم موقعها الإستراتيجي ومواردها العسكرية، تمثل فاعلًا مغريًا لأي محور يسعى إلى كسب موطئ قدم في غرب البحر المتوسط وشمال الساحل، وهو ما يفسر سعي إيران إلى توطيد صلاتها بها، ولو بشكل غير معلن”، ويرى أن “الحرب الإسرائيلية الأخيرة قد تكون بمثابة رسالة لا تهم طهران فقط، بل إلى كل من يشاركها التنسيق العسكري خارج الإطار الرسمي”.

ويختتم العلي تصريحه بالتأكيد على أن انكشاف التنسيق الجزائري الإيراني في ظرف إقليمي بالغ الحساسية قد يربك حسابات “قصر المرادية” على أكثر من صعيد؛ فمن جهة يشير إلى أن “الجزائر قد تجد نفسها في مرمى الضغوط الأميركية والأوروبية، ولاسيّما إذا ثبت ضلوعها في دعم برامج عسكرية إيرانية مشمولة بعقوبات دولية”، ومن جهة أخرى فإن “ذلك قد ينعكس سلبيا على علاقاتها مع شركائها التقليديين في إفريقيا، الذين يعتمدون مبدأ الحياد ويبتعدون عن التورط في نزاعات الشرق الأوسط”، معتبرا أن المرحلة المقبلة ستكون محكًا حاسمًا لقدرة الجزائر على ضمان توازنها الجيوسياسي وسط بيئة دولية مشحونة بالاستقطابات.

Exit mobile version