الإدماج الجهوي والعدالة المجالية.. المغرب ينصت لتجارب دولية ناجحة

استمع الحاضرون أشغال المناظرة الوطنية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، المنعقدة في دورتها الخامسة، مساء الثلاثاء، إلى تجارب دولية أوروبية وإفريقية في تطوير القطاع، حيث شدد مسؤولون حكوميون وباحثون أجانب على محورية “إدماج الأخير في الاستراتيجية الجهوية ومراعاة تدخلات الفاعلين في إطاره على ضمان العدالة المجالية” في تحقيق النهوض بالعمل التعاوني والصناعة التقليدية ببلدانهم.

وجدّدت مداخلات المتحدّثين ضمن الجلسة العلمية، التي قاربت “التعاون الدولي.. الشراكات الاستراتيجية والتمويلات المبتكرة للاقتصاد الاجتماعي والتضامني”، التأكيد على أهمية تعاضد دول القارة لتطوير هذا القطاع قاريا، لافتة إلى أهمية “استنساخ تجربة الأسواق العابرة للحدود بعدد من المناطق الإفريقية، في هذا الجانب”.

الإدماج الجهوي

أريك آني، المستشارة الجهوية لنورموندي بفرنسا، أفادت بأن التشريع في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ببلادها “استهل بقانون 2014 الذي جسّد الاعتراف الأول بهذا النوع من الاقتصاد، باعتبارها محددا في العام والخاص، كما وضح بنيته ومختلف المؤسسات التي تنتمي إليه، لافتة إلى أن “الإطار القانوني الثاني هو ذلك الذي صدر في 2015، وقد ساعد الجهات على اعتماد هذا النوع من الاقتصاد والاستثمار فيه”.

ويشكّل الجانب الاجتماعي، وفق آني في مداخلتها خلال الجلسة العلمية، “الجزء الأكبر من قطاع الاقتصاد التضامني باستئثاره بنسبة 75 في المائة”.

وأضافت: “لذلك، حاولنا مضاعفة الاهتمام به عبر تنظيم عدد من المحافل بشكل متكرر، مشترك بين الحكومة والجهات ومختلف الغرف والفاعلين”، كما “أدمجته الجهة في استراتيجيتها الجهوي باعتباره قطاعا حيويا ومهما؛ ما يُلزم بأن يكون جزءا من الاقتصاد الكلاسيكي”.

وأبرزت المسؤولة الفرنسية أن جهتها “اتخذت جُملة من الإجراءات الهادفة لتلبية احتياجات ودعم البيئة التي يشتغل بها العاملون في التعاونيات والجمعيات؛ ما ساعد على تقويتها والنهوض بمدخول المنخرطين العاملين بها، والذي يصل إلى 500 أورو لكل عامل”.

وشددت على أن ما يطمح إليه في قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني هو “شمولية الحلول والإجراءات”، مؤكدة أهمية الرهان على “تحقيق العدالة المجالية في مختلف التدخلات بالمحالات ذات الصلة بالقطاع الاجتماعي والتضامني”.

أسواق عابرة

أما موندو روجير، أستاذ جامعي ومدير مختبر ESS بجامعة كوما بدولة الكونغو الديمقراطية، فأوضح أن “في مقدمة التحديات التي تعوق التعاونيات، وينبغي رفعها الحمائية الجمركية، إلى جانب اختلاف العملة بين الدول الإفريقية؛ وهذا ما شهدته منطقة اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية “زليكاف”، مشيرا كذلك إلى “تحدي الرقمنة؛ فمعلوم أن الذكاء الاصطناعي سيغني عن عدد من المهام خلال سنوات”، وزاد: “لذلك، يجب التركيز على الإنسان”.

وتطرّق روجير، متدخلا ضمن الجلسة العلمية ذاتها، إلى تجارب في التعاون البين إفريقي، أثرت إيجابا على قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالبلدان المعنية، مشيرا إلى “من بين المقترحات المقدمة الأسواق العابرة للحدود؛ وهناك تجربتان إفريقيتان رائدتان، هما سيماك بالكاميرون؛ حيث توجد سوق ثلاثة حدود بينها والغابون وغينيا الاستوائية، و’البديجيل” أي التكتل الاقتصادي لبلدان البحيرات العظمى الإفريقية”.

ولفت إلى أن قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بعدد من الدول الإفريقية، كالكاميرون مثلا، “يعاني من مخاطر عديدة؛ أولها المؤسساتية، حيث إن أغلب المؤسسات المنتخبة يتغير القائمون عليها حسب نتائج الانتخابات، كذلك غياب استراتيجية شمولية لسد فجوات القطاع”.

العدالة المجالية

وتدخلت خلال الندوة ذاتها مؤسسة روابط إفريقيا، “links Africa” للتفكير الاستراتيجي، الكائن مقرها بالسينغال، حيث أكد رئيسها التنفيذي أن “دولة السنغال بدورها لا تتوفّر حتى الآن على إطار قانوني ينظم مجال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني”، مشددا على أن ذلك يأتي “في ظل تشكيل هذا النوع من الاقتصاد أهمية كبرى بالنسبة للقارة الإفريقية؛ (..) حيث إنه على سبيل المثال يشغل نسبة مهمة من الأفارقة”.

وأضاف الباحث السينغالي، متحدثا ضمن الجلسة العلمية ذاتها، أن “الاقتصاد التضامني، الذي يثمن ويعزز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ينبغي أن يتم إدماجه ضمن السياسات العامة والخاصة”، موضحا أن السياسات المتعلّقة بالمجال “تختلف من دولة إلى أخرى في القارة الإفريقية؛ لكن يتعيّن أن يتم تعزيز هذا الاقتصاد من خلال النهوض بالعدالة المجالية”.

وفي هذا الصدد، شدد رئيس مؤسسة التفكير، التي أنجزت سنة 2018 دراسة تناولت الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بدولة السنغال، على أن تطوير هذا القطاع إفريقيا “ينبغي أن يستند على محورين؛ أولهما العمل على الاستقلالية المحلية، وثانيهما لتوزيع العادل للثروات”.

ولفت المتدخل ذاته في المناظرة الوطنية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني إلى أن العدالة بين المجالات لا يمكن تحقيقها أساسا “خلال تعزيز النسيج الاقتصادي والاجتماعي، عبر اعتماد مبادرات هذا النموذج من الاقتصاد”.

وأبرز الرئيس التنفيذي مؤسسة روابط إفريقيا “links Africa” للتفكير الاستراتيجي أنه “ينبغي ضخ مشاريع في هذا الميدان لفائدة الموجودين في وضعية هشّة، مع التركيز على إصلاحات ضريبية واللامركزية في اتخاذ القرار واستحضار الحاجيات المحلية”، منبّها إلى “ضرورة إشراك الجماعات الترابية في هذا الصدد، شريطة مأسسة هذه الشراكة بما يضمن النجاعة”.

وخلص الباحث السنيغالي إلى “ضرورة الاستفادة من التجربة المغربية وكذلك الأوروبية، مع تكييفها وفق السياق المحلي”.

Exit mobile version