“على الرغم من أن النقد لا يزال يمثل طريقة الدفع المفضلة لدى المغاربة لتسوية المعاملات الجارية اليومية، فإن طرق الدفع/ الأداء الإلكترونية الأخرى تُحرز تقدما كبيرا”، هذا ما انبثق عن وثيقة بحثية صدرت حديثا (دجنبر 2023) نشرَها بنك المغرب بعنوان “تقدير النقد غير المتعلق بالمعاملات في المغرب Estimation du cash non transactionnel au Maroc”.
وتشير الوثيقة، التي وقّعها الباحثان الاقتصاديان بالبنك المركزي المغربي لينة السحيمي وعبد الصمد السعيدي والأستاذ بجامعة العلوم التطبيقية “أمبرج ويدن” سيتز فرانز، إلى أن “الطلب على أعلى قيمة لورقة نقدية – أيْ من فئة 200 درهم- زاد بقوة في السنوات الأخيرة”.
وهكذا، حسب المصدر البحثي نفسه، مثّلت الورقة النقدية من فئة 200 درهم ما مجموعه “75 في المائة من القيمة الإجمالية للائتمان النقدي في المغرب خلال عام 2022 مقارنة بـ 47 في المائة فقط عام 2000”.
نتائج التحليل، الذي بصم على إنجازه ثلاثة باحثين مختصين، أشارت بوضوح إلى “زيادة قوية في النقد المُكتَنَز في المغرب منذ أوائل عام 2000”. وبالتالي كان الطلب على النقد غير المعاملاتي حوالي 20 في المائة في بداية الألفية، راصدين “تقلّبه خلال عام 2021، اعتماداً على الافتراضات المُستخدَمة، بين 60 و80 في المائة من قيمة الأوراق النقدية المتداوَلَة (لا سيما فئتا 100 و200 درهم).
وطالما أكدت خلاصات المؤشرات الرئيسية للإحصائيات النقدية الشهرية الصادرة في الأشهر القليلة الماضية لبنك المغرب المركزي ارتفاعا مُطّردا في تداول واستعمال “الكاش” (أو السيولة النقدية المتداولة) مع “استمراره في وتيرة تصاعدية”، في ظل “ركود متواصل تعيشه وضعية الائتمان المصرفي والقروض الممنوحة للقطاع الخاص، بما يشمل الأسَر والمقاولات الخاصة”، على السواء.
فرضيات البحث وطرائقه
هذا العمل البحثي يركّز، حسب معديه، على “إشكالية الاكتناز في المغرب، ويهدف إلى تقديم تقديرات للطلب على الأموال غير المتعلقة بالمعاملات النقدية الجارية والمعمول بها، موضحين أنها “تشمل المبالغ النقدية المُخًزَّنة”.
واعتمد التحليل، حسب نص الورقة البحثية التي طالعتها جريدة النهار، على ثلاثة مناهج تجريبية منتشِرة ومعروفة في الأدبيات الأكاديمية (طريقة النسبة وطريقة الفترة وطريقة الموسمية). بينما تم وضع الفرضية الرئيسية بناء على فكرة أن “الأوراق النقدية ذات القيمة الاسمية العالية (200 درهم و100 درهم) مِن المرجّح تخزينها من بقية الفئات التي يتكون منها نظام التقسيم النقدي المغربي”.
وأبرزت الدراسة، في ملخصها، أن نتائج التحليل المنجَز أبانت أن “هذه الأساليب المختلفة تتفق على الاتجاه التصاعدي للنقد غير المعاملات وعلى المبالغ التي يُحتمَل أن تكون عالية جدا”.
وحسبما أسفرت عنه نماذج البحث المطبقة، “زادت حصة الأوراق النقدية بقيمة 100 درهم و200 درهم لأسباب غير معاملات بشكل كبير منذ بداية الألفية، وستتقلب وفقاً للافتراضات المعتمدة بين 60 في المائة و80 في المائة من قيمتها عام 2021”.
وخلُصت الدراسة إلى أن “هذه النتائج قوية لمجموعة واسعة من الفرضيات المرجعية وتتماشى مع الترتيب المقدّر لحجم العمل التجريبي المنجز في بلدان أخرى”.
“توصيات للسياسة النقدية”
“بالطبع يجب تفسير هذه الأرقام المقدَّرة بحذر بالنظر إلى الحدود الفنية الجوهرية لكل من طرق التقدير المستخدمة وعقلانيتها”، يسجل منجزو دراسة بنك المغرب في نقطة دالة ضمن توصياتهم وخلاصاتهم لفائدة السياسة النقدية المغربية، “وبالتالي يمكننا أن نتخيل أن الأوراق النقدية التي تمر عبر الاقتصاد غير الرسمي أو من خلال “الاقتصاد السري” لها خصائص مختلفة ودورة حياة مختلفة عن تلك التي تمر عبر الدوائر الرسمية فقط”.
كما استنتجوا أنه “يمكن أن يكون عُمر الأوراق النقدية “غير الرسمية” أطول من عُمر الأوراق النقدية المستخدمة في سياق المعاملات الجارية الرسمية، دون أن يتم تخزين هذه الأوراق ذات القيمة المالية”، مضيفين بشأن هذه الحالة أن “التقديرات التي تم إجراؤها تشمل حصة من الطلب على النقد غير المكتنَز المستخدم في المجالات غير الرسمية. بالإضافة إلى ذلك، لم يتم تصحيح هذه التقديرات من أجل مدخّرات الأسر التي لا تتعامل مع البنوك والتي تمارس “الاكتناز القسريthésaurisation forcée”.
ومع ذلك يخلص الباحثون الاقتصاديون إلى أن “ترتيب حجم النقد غير المعاملات في المغرب يمثل تحدياً لأن هذه المبالغ شكّلت عام 2019 ما يقرُب من 13 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي”. فيما “ستضع الأزمة الصحية لـ”كوفيد- 19” هذه المبالغ عند ما يقرب من 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عامَي 2020 و2021″، وفق الوثيقة ذاتها.