الجزائر تلجأ إلى الخطاب الحربي لإسكات الداخل وتبرير الإنفاق العسكري

لم يعد الخطاب الحربي في الجزائر مجرد رد فعل ظرفي أو تصريح عابر؛ بل تحوّل إلى مكون أساسي في لغة الدولة وفي تصريحات نخبها السياسية وكذا العسكرية، التي لا تتردد في كل مناسبة على ترديد أسطوانة المؤامرات الخارجية التي تستدعي رفع ميزانية الجيش وتقوية الصف الداخلي في مواجهة المؤامرات المفترضة، وكذا تثبيت مكانة المؤسسة العسكرية باعتبارها الضامن لأمن واستقرار البلاد والمحور الأساسي في معادلة الحكم في هذا البلد المغاربي.

في هذا الصدد، أكدت وزارة الدفاع الجزائرية، في افتتاحية مجلة الجيش الناطقة باسمها، أنها تواصل “دون هوادة تقوية وتعزيز قدراتها الدفاعية وبناء جيش قوي ومهاب الجانب”، مسجلة أن هذا الخيار “نابع من وعي الجزائر بحجم التحديات الراهنة والمستقبلية الواجب رفعها في عالم يموج بالتقلبات والتجاذبات وفي ظل أوضاع دولية وإقليمية يطبعها التوتر وعدم الاستقرار”.

وأشادت الوزارة ذاتها بما وصفته بـ”الدبلوماسية الجزائرية النشطة”، التي تسعى إلى “استعادة الاستقرار السياسي والأمني في جوارها الذي يشهد اضطرابات غير مأمونة؛ وذلك انسجاما مع مبادئها الراسخة، التي تقوم على حسن الجوار ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها الوطنية ووحدتها الترابية، ناهيك عن فض النزاعات والأزمات سلميا، وتغليب لغة الحوار والمفاوضات ورفض منطق السلاح”، وفق تعبيرها.

تعليقا على ذلك، قال شوقي بن زهرة، ناشط سياسي جزائري معارض، إن “النظام الحاكم في الجزائر دأب على توظيف نظرية المؤامرة والخطر الخارجي، سواء من أجل إسكات الجبهة الداخلية التي تعاني من أزمات اقتصادية عديدة، وتكريس القمع وتقليص مجال الحريات بهذا المبرر، على غرار قانون التعبئة الذي تم إقراره من أجل ذلك، أو من أجل تبرير النفقات الخيالية للجيش”.

وتابع بن زهرة، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن “النظام صعّد من خطابه الحربي في السنوات الأخيرة، خاصة ضد المملكة المغربية، ويتهمها حكّام الجزائر بمحاولة زعزعة استقرار الدولة الجزائرية وتقويض أمنها القومي”، مبرزا أن “خطاب السياسيين وكذا العسكريين في الجزائر لا يخلو من التهويل والمبالغة بهدف إثارة المشاعر الوطنية وتحويل أنظار المواطنين عن الأزمات الحقيقية التي يعيشونها”.

وأكد المتحدث ذاته أن “التلميح إلى إمكانية نشوب حرب مع المغرب، وأن هذا الأمر يستدعي مزيدا من التسليح واليقظة الأمنية، أو الحديث عن مؤامرات خارجية مفترضة، هدفه خلق مناخ من الخوف داخليا، وحثّ المواطنين على الاصطفاف إلى جانب السلطة في خياراتها وسياساتها؛ غير أن هذا الأمر لا يعكس بالضرورة استعدادا فعليا للمواجهة، بقدر ما يُستخدم لتغذية الشعور بالتهديد الخارجي والسيطرة على الوضع في الداخل بالقبضة الأمنية، تحت مبرر الوضع الإقليمي الحساس”.

من جهته، قال جواد القسمي، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، إن “خطاب وزارة الدفاع الجزائرية يأتي في سياق إقليمي ودولي متوتر، تواجه فيه الدولة الجزائرية جملة من التحديات، خصوصا في علاقاتها مع دول الجوار، وهي محاولة ترنو إلى تعزيز مكانتها الإقليمية”، مضيفا أن “هذا الخطاب جاء بلغة تصعيدية تعكس التوجه العام للسياسة الخارجية الجزائرية وكذا تناقضاتها المتعددة”.

وأوضح القسمي، في تصريح لجريدة النهار، أن “هذا التصعيد في الخطاب السياسي والعسكري الجزائري يمكن فهمه من خلال عوامل عديدة؛ منها تبنّي خطاب “المؤامرة الخارجية” لتوحيد الجبهة، وتحويل وتشتيت الانتباه عن المشاكل الداخلية، ثم تراجع النفوذ الجزائري إقليميا، خصوصا أمام التوترات مع دول الجوار (مالي، النيجر، بوركينا فاسو) والتي وصلت حد القطيعة”.

وتابع المتحدث ذاته: “تبنّي خطاب استهداف البلاد من طرف مجموعة من الدول هو ورقة يستعملها النظام الجزائري لتبرير التسلّح والإنفاق العسكري الكبير، رغم وجود أزمات اقتصادية واجتماعية، بالإضافة إلى دور هذا الخطاب في التأكيد على مكانة الجيش كدرع يقي الوطن ويضمن وحدته واستقلاله؛ مما يعزز من هيمنة المؤسسة العسكرية على المشهد السياسي”.

وشدد الباحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي على أن “ادعاء الجيش الجزائري بمساهمة الدولة في استقرار المنطقة هو ادعاء مردود عليه؛ فأزمات الدولة مع مالي غير مسبوقة، خصوصا بعد إسقاط الطائرة المسيّرة المالية، وتضامن كل من النيجر وبوركينا فاسو معها، وتشكيل جبهة موحدة ضد النظام الجزائري. ناهيك عن فشل دبلوماسيتها في تحقيق أي نتائج في حل الأزمات الإقليمية. وحتى المبادئ المعلنة في البيان، مثل “حسن الجوار ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول”، تبدو مغايرة لممارسات الجزائر الفعلية، من تدخل في الشؤون الداخلية ودعم جماعات معينة على حساب أخرى؛ وهي اتهامات وُجّهت إليها مباشرة من دول الجوار، بالإضافة إلى سياسة المواجهة بدل الحوار”.

وخلص جواد القسمي إلى أن “هذا الخطاب الجزائري قد يجد تفسيره في هيمنة نخبة جزائرية عسكرية تحمل رؤية جيوسياسية تعود لفترات الحرب الباردة، ترى أن هذا الخطاب هو الأنسب بدلا من تطوير خطاب جديد يستجيب للتحديات الجديدة والمعاصرة؛ مما يجعل الخارجية الجزائرية بدون رؤية استراتيجية متجددة تخدم مصالحها الحقيقية”.

Exit mobile version