
تجنب “أضاحي العيد” ينقذ المؤسسات البنكية من أزمة السيولة الموسمية
قال باحثان مغربيان في الاقتصاد والنظم المالية إن “تعليق النحر خلال صبيحة الأضحى أو التقليل من العملية إلى الحدّ الأدنى، يساهم في الحفاظ على نسبة من السيولة النقدية التي كانت تُتداوَلُ بشكل مكثف خلال السنوات الفائتة”، معتبرَين أن “التعاملات بالأوراق المالية، التي انفلتت طيلة السنوات الفائتة من مؤسسات ‘الرقابة البنكية’ وخلقت عجزا في السيولة، ستكون أخفّ هذه المرة”.
وقلّل الباحثان من احتمال أن يُحدث “الطلب القياسي على ‘الكاش’ أزمة قد تجبر البنكَ المركزي للبلاد على رفع قيمة تسبيقاته لفائدة البنوك”، وشدّدا على أن “تزايد الطلب على النقد لن يكون مكثفا، لأن كثيرا من العائلات في المغرب ستستجيب للدعوة الملكية، وأخرى وجدت فيها متنفسا. وبالتالي، لا حاجة بها إلى الإقبال المتكرر على الشبابيك الأوتوماتيكية لتمويل مشترياتها نقدا”.
واتفق المتحدثان على أن “الإجراءات المصاحبة تخلق وضعا استثنائيا خلال هذا العيد لن يتطلّب بالضرورة نفس جرعة اللجوء إلى الأوراق المالية كما كان الوضع في السنوات الفائتة خلال فترات الأعياد والمناسبات الاستهلاكية المختلفة، وعلى رأسها ‘العيد الكبير’ الذي يُعدّ محطّة اقتصادية مهمة بالنسبة للاقتصاد المغربي”،لا سيما وأنه “يسعى إلى مواكبة اقتصاد الظل”.
“إنقاذ من العجز”
خالد بنعلي، باحث في الاقتصاد، شدّد على أن “إهابة أمير المؤمنين عدم ذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى تُنقذ الأبناك من جهة أخرى من عجز السيولة الذي كانت تسجله في هذه المرحلة بشكل سنوي”، معتبرا أن “الموضوع يُعدّ تحصيل حاصل هذه المرة بحكم الإجراءات المعمول بها لمواكبة الدعوة الملكية، لكن لا بدّ من تحسيس المواطنين بضرورة التقليل من التعامل النقدي واللجوء إلى وسائل أخرى”.
وأشار بنعلي، ضمن تصريح لجريدة النهار، إلى أن “التواصل على أرض الميدان ضروري لتفادي رواج السيولة النقدية بشكل عشوائي”، موضحا أن “للأمر تأثيرات كبيرة وواضحة على الأبناك وعلى الاقتصاد الوطني، بما أن مليارات الدراهم يتم ترويجها في هذه الفترة بالذات”، وزاد: “الأمر هذه المرة سيكون مختلفا، لأن التداولات لن تكون نفسها وستعرف الوضعية تغيرات واضحة على مستوى الدفع”.
وتابع بأن “بنك المغرب يُنبّه مرارا إلى هذه المسألة، كما أن تقارير عديدة وتدخلات خبراء تنبّه إلى خطر السيولة النقدية الرائجة خارج الأبناك على الشق الاستراتيجي للاقتصاد الوطني وعلى عافيته”، مبرزا أن “عيد الأضحى كان يخلق رواجا اقتصاديا مهما، لكنها كانت تتحرك في الجانب غير المهيكل”، وواصل: “نحتاج إلى المزيد من هيكلة الاقتصاد الوطني للانفتاح على أنماط تداولية جديدة وعصرية”.
“تخفيف منطق قديم”
إدريس الفينة، باحث في الاقتصاد رئيس المركز المستقل للتحليلات الاستراتيجية، قال إن تغييب العديد من الأنشطة المرتبطة بعيد الأضحى، خصوصا الأسواق، “يُقلّص من تداولات الأوراق النقدية” التي كانت تنتعشُ في هذه الفترة، خصوصا “داخل الاقتصاد غير المهيكل، الذي يرتبط بالقرى والمداشر والأماكن التي تختفي فيها المؤسّسات البنكية بشكل تام”.
وإلى جانب غياب بنية تحتية مؤهلة بالوسط القروي والحواضر الصغرى لتلقي الدفع بالوسائل الرقمية، أوضح الفينة لجريدة النهار أن “الكسّاب بدوره، ومنذ أزمنة قديمة، يُفضّل المعاملات النقدية خلال هذه الفترة بالتحديد”، مشيرا إلى أن “التداول النقدي هو صيغة ملازمة لعيد الأضحى، بما أنه حتى في المؤسسات التجارية الكبرى التي كانت تُخصّص سوقا للمواشي الموجّهة للذّبح في العيد، تلقّت دفعا نقديّا”.
وأفاد الباحث في الاقتصاد بأن “العيد الكبير” كان “يعرفُ فعلا فورة في حركيّة ‘الكاش’، الأمر الذي سيقلّ هذه السنة”، كما سجّل أن “العملية برمّتها ظلّت تتم منذ قديم الزمان بهذا الشكل، بحكم إصرار الغالبية الكبرى من ‘الكسّابة’ على التبادل النقدي المباشر، ولكن في الغالب، هذا الأمر كان يرتفع بشكل مضاعف في المناطق شبه الحضرية وأرياف المدن”.