تقرير يرصد تحولات المشهد الأمني بالمدن الإفريقية بسبب التوسع الحضري

أكد تقرير حديث صادر عن “مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية” أن تسارع وتيرة التحضر في القارة السمراء، وبمعدلات قياسية، يفرض الحاجة إلى تعديل السياسات الأمنية الوطنية لتتناسب مع التغيرات الجغرافية وأنواع التهديدات في المناطق الحضرية مقابل الريفية، مبرزًا أن إفريقيا تعد أسرع منطقة في العالم من حيث التحضر، إذ تنمو مدنها بمتوسط 3.5 في المائة سنويًا.

وذكر التقرير المعنون بـ”التوسع الحضري غير المسبوق في إفريقيا يُغيّر المشهد الأمني” أن “ما يقرب من نصف الأفارقة، أي أكثر من 700 مليون نسمة، يعيشون في مناطق حضرية، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد إلى 1.4 مليار بحلول عام 2050″، مضيفًا: “توجد الآن أكثر من 60 مدينة إفريقية يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة، ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 159 مدينة بحلول عام 2050”.

إعلان تقرير يرصد تحولات المشهد الأمني بالمدن الإفريقية بسبب التوسع الحضري

وأوضح المصدر ذاته أن “أسرع معدلات التحضر في إفريقيا تتركز أساسًا في الساحل الغربي الإفريقي وفي حزام شرق إفريقيا الممتد من إثيوبيا إلى موزمبيق”، وزاد: “توضح هذه المناطق التركيبة المعقدة للعوامل الدافعة للنمو الحضري في القارة”، مشيرًا إلى “تسارع عوامل الجذب الحضري وكذا الطرد الريفي الذي يعزى إلى النزاعات والنزوح وانعدام الأمن الغذائي”.

ورغم تسارع التحضر في القارة يؤكد التقرير ذاته أن “المناطق الريفية تظل مركز الصراعات المسلحة المنظمة في إفريقيا، ففي عام 2024 وقعت ما نسبته 74 في المائة من أحداث العنف المسلح المنظم في المناطق الريفية أو شبه الريفية، بينما حدث 26 في المائة فقط في مدن يزيد عدد سكانها عن 20 ألف نسمة”، مردفا بأن “587 مدينة إفريقية من أصل 4,930 مدينة شهدت وفيات مرتبطة بالعنف المسلح المنظم عام 2024؛ وهذه الأرقام في تصاعد في السنوات الأخيرة، ما يشير إلى أن المناطق الحضرية في إفريقيا أصبحت تدريجيًا هدفًا في الحروب الأهلية أو التمردات المستعصية”.

وشددت الوثيقة على أن “النمو الحضري المتسارع في إفريقيا يشير إلى جانب استمرار النزاعات غير المحلولة إلى أن حروب القارة ستتخذ طابعًا حضريًا متزايدًا، مع تداعيات عميقة على الخسائر البشرية والسياسات الأمنية وهياكل القوات”، مبرزة أن 92 في المائة من الوفيات الحضرية المرتبطة بالعنف المسلح تتركز في ثماني دول هي: السودان، الصومال، بوركينا فاسو، مالي، النيجر، نيجيريا، إثيوبيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

وذكر المصدر ذاته أن “التمردات الإسلامية المتطرفة في بوركينا فاسو ومالي والنيجر أسفرت عن 1,165 حالة وفاة في المناطق الحضرية، وفي الصومال بلغ عدد الوفيات المرتبطة بالعنف المنظم في المناطق الحضرية 644 حالة، تمثل 12 في المائة من إجمالي الوفيات في هذا البلد الذي يعاني من النزاعات”، مسجلًا أن “المناطق الحضرية تواجه أشكالًا إضافية من الجرائم العنيفة، مثل الاعتداءات والسرقات والقتل والجرائم الجنسية، ما يتطلب استجابات سياسية مختلفة”.

وتابع التقرير بأن “40 في المائة من الأفارقة الذين يعيشون في المناطق الحضرية يشعرون بعدم الأمان عند السير في أحيائهم، مقارنة بـ33 في المائة من سكان الريف”، مبرزًا أن “التوسع الحضري السريع ستحتاج معه العديد من الدول الإفريقية إلى إعادة تقييم الإستراتيجيات لتوفير الأمن للمواطنين؛ فبينما تظل القوات المسلحة ضرورية لأمن الحدود ومواجهة تهديدات الجماعات المسلحة في المناطق الريفية يجب على صانعي السياسات النظر بشكل متزايد في كيفية تأثير التهديدات من هذه الجماعات على السكان في المناطق الحضرية”.

وخلص المصدر ذاته إلى أن “المفتاح لإدارة التحديات الأمنية الناجمة عن التحول الديموغرافي الحضري في إفريقيا هو تجنب التعامل مع الأحياء أو السكان بأكملهم كتهديدات أمنية، فتاريخيًا أدت مثل هذه الأساليب — مثل عزل مناطق من المدينة والطرد القسري والعمليات الشرطية القاسية — إلى تعميق عدم الثقة وجعلت القمع الأمني أحد أخطر أشكال انعدام الأمن في مدن سريعة النمو مثل لاغوس أو كينشاسا”، مشددًا على أن “السلطات المحلية يجب أن تعمل على فهم هذه المجتمعات، والاعتراف بدورها في مرونة المدن وحيويتها، وإدماجها بشكل كامل في النظم الاقتصادية والاجتماعية للمدينة”.

زر الذهاب إلى الأعلى