تشهد أسعار اللحوم الحمراء تذبذبًا ملحوظًا في عدد من المدن؛ إذ تتأرجح بين الارتفاع والانخفاض بشكل مفاجئ ومتكرر، مما يخلق حالة من عدم الاستقرار في السوق. ويتكرر هذا التغير خلال فترات زمنية قصيرة دون استقرار على سعر واضح، ما يؤثر سلبًا على سلوك المستهلكين ويدفعهم إلى تخزين اللحوم بهدف استهلاكها لاحقا.
يثير هذا التذبذب العديد من التساؤلات في أوساط المهنيين والمستهلكين على حد سواء، خاصةً فيما يتعلق بالأسباب الحقيقية وراء هذه التحولات السريعة في الأسعار وعدم استقرارها، في الوقت الذي يبدي عدد من الفاعلين في قطاع اللحوم الحمراء توقعات بشأن ما قد تحمله الأيام المقبلة من تقلبات في الأسعار.
العرض والطلب والمغالطات
عادل الأشهب، الكاتب العام لجمعية الجزارين للحوم الحمراء بخريبكة، قال إن “عدم استقرار أثمنة اللحوم الحمراء يُعزى إلى عامل العرض والطلب، حيث تختلف هذه المعادلة من مدينة لأخرى”، موضحا أنه “في بعض الأسواق، عندما يكون العرض وفيرًا، ينخفض الثمن. وبالتالي، فإن تذبذب الأسعار مرتبط أساسًا بتفاوت الكميات المعروضة والطلب المحلي عليها”.
وفيما يتعلق بلحوم الأبقار، أشار المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة النهار، إلى أن “الأسعار تعتبر مستقرة نسبيًا على الصعيد الوطني؛ إذ يتراوح ثمن الكيلوغرام الواحد بين 80 و90 درهمًا، واللحوم المستوردة تحديدًا هي التي تخضع لتسعيرة 80 درهما، وهي أقل من اللحوم المحلية، ما يؤثر بدوره على السوق الداخلي”.
أما لحوم الغنم، فقد أكّد عادل الأشهب أن “الثمن يرتبط بالحجم وجودة الذبيحة، فإذا كانت الذبيحة كبيرة وتحتوي على نسبة عالية من الدهون، فإن ثمنها يكون أقل نسبيًا، لكن على العموم تتراوح أسعار لحم الغنم حسب الحالات بين 70 و80 درهمًا للكيلوغرام حسب المناطق ونوع الذبيحة”.
وفيما يخص توقعات أثمنة اللحوم في الأيام المقبلة، قال عادل الأشهب: “من المرجح أن تعرف الأسعار ارتفاعًا نسبيًا، ويرجع هذا إلى مجموعة من العوامل؛ أولها انتشار بعض المغالطات التي تشير إلى أن المجازر ستُغلق لمدة 15 يومًا خلال فترة العيد، وهو ما أثار نوعًا من الهلع لدى المستهلكين رغم نفيه من طرف السلطات المعنية”.
وأضاف أن “هذا التخوف دفع عددًا من المواطنين إلى اقتناء كميات كبيرة من اللحوم وتخزينها في المجمدات، ما زاد من حجم الطلب خلال فترة قصيرة، ومن المتوقع أن يشهد الأسبوع المقبل ارتفاعًا إضافيًا في الأسعار، تزامنًا مع الاستعدادات لعيد الأضحى”.
وأفاد الكاتب العام لجمعية الجزارين للحوم الحمراء بخريبكة بأن “هناك عوامل إضافية تساهم في الضغط على السوق، منها تزايد الطلب بسبب موسم الحج، وحلول العطلة الصيفية، وعودة الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وكل هذه المعطيات تشير إلى احتمال استمرار ارتفاع أثمنة اللحوم خلال الفترة المقبلة”.
سؤال الجودة والثقة
رضوان زويتني، رئيس الجمعية الإقليمية للجزارين بالمحمدية، قال إن “قطاع اللحوم الحمراء يعرف حالة من الفوضى على مستوى الأسعار، خاصة خلال السنوات الأخيرة”، موضحا أن “المشكل ليس فقط في نقص العرض، بل هناك من حاول التحكم في السوق، والتأثير على توفر بعض الأنواع من اللحوم، خاصة حين أصبح مصدر اللحوم متنوعاً بسبب استيرادها من الخارج”.
وأشار زويتني، في تصريح لجريدة النهار، إلى أنه “في السابق، كانت هناك أربعة ألوان تُعتمد لختم اللحوم والدلالة على جودتها، وهي الأخضر والأزرق والأحمر والأسود، وكل واحد منها يشير إلى درجة معينة من الجودة. أما اليوم، لم يعد لهذه الألوان أثر، حيث تم الاعتماد على لون واحد بُنّي، مع إضافة مستطيل بالأحمر يشير إلى الجودة، لكنه لا يُفهم بسهولة من طرف المستهلك”.
وأشار رئيس الجمعية الإقليمية للجزارين بالمحمدية إلى أن “هذا الغموض انعكس على الثقة في السوق؛ إذ إن الأسعار كانت في السابق تُحدد من طرف المحتسب، وكان من غير الممكن أن يتجاوز الجزار السعر المقرر، لأنها كانت مبنية على معايير دقيقة تراعي تكلفة الإنتاج وظروف السوق، أما الآن، فالأمور خارجة عن السيطرة.”
وفي ختام تصريحه، قال زويتني: “إذا لم نُعِد الاعتبار للإنتاج المحلي، ولم نحافظ على دور الكساب الصغير، ولم تتوفّر الأعلاف المحلية تحت مراقبة صارمة، فإننا لن نتمكن من ضبط السوق في المراحل القادمة. الأمر أصبح ضبابياً في الآونة الأخيرة، وهذا يُفقد المواطنين الثقة في ما يستهلكونه.”