أكدت نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، أن المملكة المغربية “راكمت تجربة رائدة وخبرة مؤكّدة تراكمية في مجال حكامة المؤسسات والمقاولات العمومية، بفضل سنوات من الإصلاحات والمبادرات الهيكلية”، معتبرةً أن “المؤسسات/المقاولات العمومية مطالَبة اليوم بالاستجابة لتحديات جديدة مرتبطة بالنجاعة والشفافية وتحقيق أثر اجتماعي ملموس، في ظل سياق تنامي انتظارات المواطنين وضغوط مالية واقتصادية متزايدة”.
فتاح، التي كانت تتحدث اليوم الثلاثاء خلال افتتاح ندوة “تقديم المبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) بشأن حكامة المؤسسات العمومية المغربية”، قالت في حضور كبار رؤساء مؤسسات عمومية مغربية، والمدير العام للوكالة الوطنية للتدبير الإستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية (ANGSPE)، إن “هذا المسار تعززَ مؤخرًا من خلال صدور النسخة المعدَّلة من ‘ميثاق الممارسات الجيدة لحكامة المؤسسات والمقاولات العمومية’، المنشورة في الجريدة الرسمية بتاريخ 28 أبريل 2025”.
وتهدف هذه الوثيقة، وفق تنويه الوزيرة، إلى “تعزيز الشفافية، والمساءلة، والنجاعة من خلال توصيات ومبادئ توجيهية تنظّم العلاقة بين الدولة وهذه المؤسسات وتدبيرها”.
“تحديات النجاعة والأداء الشفّاف”
هذا اللقاء المهم نظمَته بشكل مشترك وزارةُ الاقتصاد والمالية، والوكالة الوطنية للتدبير الإستراتيجي لمساهمات الدولة، بشراكة مع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، حول “موضوع محوري”، تقول وزيرة المالية، لافتة إلى أنه “حدثٌ يندرج في إطار الدينامية الشاملة لإصلاح وتحديث قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، وهي دينامية انخرط فيها المغرب بكل حزم تحت القيادة السامية من الملك محمد السادس”.
وزادت فتاح شارحة: “لطالما شكّلت المؤسسات والمقاولات العمومية أحدَ الأعمدة الأساسية لنموّنا الاقتصادي، فهي تشتغل في قطاعات حيوية، كـ الطاقة، النقل، البنيات التحتية والخدمات الأساسية، وتضطلع بمهامَّ ذات مصلحة عامة تضمَن التماسك الاجتماعي والترابي”.
غير أن الوزيرة استدركت مُقرّة بأن “السياق الراهن، الذي يتميز بتزايد انتظارات المواطنين، وضغوطات مالية ملحوظة، وتحولات اقتصادية متسارعة، يفرض علينا تحديات جديدة تتمثل في: النجاعة، الشفافية، الأداء، والأثر المجتمعي”، وشددت على أنه “مِن الضروري إعادة النظر في منظومة حكامة هذه المؤسسات، ليس فقط من أجل تحسين تدبير الموجود، بل لتقييم النماذج الحالية، وتجديد آليات التسيير، والرفع من مستوى الطموح لتحقيق الأهداف المرجوة من حيث الأداء والمساءلة”، بتعبيرها، معتبرة أن اللقاء “محطةٌ هامة لتجديد التزامنا الجماعي من أجل حكامة عمومية حديثة، مسؤولة وموجهة نحو المستقبل؛ كما يمثل فرصة ثمينة لتبادل أفضل الممارسات، وتعزيز المكتسبات، وتنسيق الجهود نحو تدبير إستراتيجي ومستدام للمؤسسات والمقاولات العمومية”.
وحسب فتاح توفر “النسخة المراجَعة” من المبادئ التوجيهية لحكامة المؤسسات العمومية، التي تم اعتمادها في أكتوبر 2024، “إطارًا مرجعيًا متيناً ومنسجمًا يحظى باعتراف دولي، ويعزز التوجهات التي بدأ المغرب بالفعل تنفيذها”؛ خاصة بالذكر “اعتماد عقيدة واضحة بخصوص مساهمة الدولة، وتعزيز الاستقلالية التشغيلية للمؤسسات، وضمان تتبع صارم لأدائها”.
واعتبرت المتحدثة أن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية مازالت “شريكًا مرجعيًا”، من خلال “إطار الحوْكمة الذي تقترحُه، وآليات التقييم الصارمة التي تعتمدها، ومقارنتها التجارب الدولية”، مبرزة “سعيَ المملكة إلى تعزيز التعاون مع المنظمة، عبر بعثات الدعم التقني، والمراجعات، وتبادل الممارسات الفضلى، قصد تسريع ملاءمة حكامة مؤسساتنا العمومية مع المعايير الدولية، مع احترام خصوصيات نسيجنا الاقتصادي”.
خماسية المبادئ الأساسية
كما أبرزت الوزيرة أن “الرؤية التي تؤطر عملنا ترتكز على عدد من المبادئ الأساسية التي تبرز الحاجة المُلحّة إلى تطوير حكامة القطاع العمومي”.
وتتمثل المبادئ الأساسية سالفة الذكر في “خماسية” تتكون من “الحياد التنافسي”، و”التحكم في تكلفة المخاطر”، ثم “ثقافة الأداء”، فضلا عن “جودة الخدمات العمومية” و”دمج مبادئ الاستدامة والمسؤولية المجتمعية”.
واستحضرت الوزيرة دينامية “اعتماد القانون الإطار رقم 50.21 المتعلق بالإصلاح الشامل للمؤسسات والمقاولات العمومية، والقانون رقم 82.20 المحدث للوكالة الوطنية للتدبير الإستراتيجي لمساهمات الدولة، إضافة إلى إصدار السياسة العامة للدولة كمُساهم سنة 2024، التي أعادت تحديد دور الدولة كمساهم على أساس خلق القيمة، المسؤولية، والإسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
“ميثاق الحكامة Label GUIDE”
معتلياً منصة الحدثِ أعلن عبد اللطيف زغنون، المدير العام للوكالة الوطنية للتدبير الإستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية، عن “مبادرة بنيوية تتمثل في إحداث تصنيف ‘GUIDE’ (Governance Upgrading Initiative for Development and Excellence)؛ وهو أوّل إطار وطني من نوعه مستلهَم من المعايير الدولية”.
كما كشف زغنون أمام الحاضرين عن “إرساء ميثاق حكامة خاص بهذا التصنيف، يشكل مرجعية تأطيرية تنبني على أربعة محاور واثني عشر مبدأ عملياً، لتوفير إطار مَرن وعملي، تدعى كل من المؤسسات والمقاولات العمومية إلى تفعيله بحسب خصوصيات كل قطاع”.
ويستهدف الميثاق، حسب ما أفاد به المسؤول ذاته، “تثمينَ الهيئات العمومية التي تنخرط، بطريقة نموذجية، في مسارات الشفافية، والنزاهة، والتحسين المستمر في مجال الحكامة”، مذكرا بأنه “يستلهم توجهاته من المبادئ التوجيهية لـ OCDE، مع إيلاء أهمية خاصة على سبيل المثال لمحور الاستدامة”.
كما نوّه المتحدث بـ”اعتماد ميثاق جديد للممارسات الجيدة لحكامة المؤسسات والمقاولات العمومية” بموجب مرسوم كـ”خطوة تنظيمية مهمة”، مؤكدأ أنه “بمثابة المدونة المبنية على مأسسة مبادئ ومتطلبات الحوكمة الجيدة على المستوى الوطني، وتُترجم إرادة واضحة: جعل الحكامة رافعةً للتحول البنيوي للقطاع العمومي، في اتجاه الفعالية، والشفافية، والمساءلة”، وفقاً للتوجيهات الملكية لإصلاح القطاع العام.
“مرحلة مفصلية”
“تبنّي المبادئ التوجيهية لمنظمة OCDE يُعد مرحلة مفصلية، غير أن المعيار الحقيقي للتقدم يكمن في التنزيل الفعلي لهذه المبادئ وتملُّكها من قبل مختلف الفاعلين على أرض الواقع”، يورد زغنون، مضيفاً: “هذه المبادئ، إلى جانب مدونة الحكامة الجديدة التي تم اعتمادها، وميثاق حكامة [ Label GUIDE ]، والمواكبة الإستراتيجية التي توفرها الوكالة؛ كلها أدواتٌ تهدف إلى تحريك خطوط الحكامة العمومية”.
كما أثار المسؤول نفسه، متحدثاً خلال كلمة ألقاها بالمناسبة، بحضور نائب مدير مديرية الشؤون المالية وشؤون المقاولات بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، “أهمية الانسجام مع معايير المنظمة كرافعةٍ حقيقية لتعزيز الدينامية المواكبة التي تقودها الوكالة،”، منوها بكون “المستجدات التي جاء بها الإصدار الجديد لسنة 2024 من المبادئ التوجيهية تتقاطع مع أولوياتنا الوطنية، سواء تعلق الأمر بدور الدولة كمساهِم إستراتيجي، أو بتكوين وعمل مجالس الإدارة، أو بإدماج قضايا الاستدامة في أنظمة الحكامة المؤسساتية”.
ويُعد هذا اللقاء، وفق المتحدث، “مناسبة لتعزيز هذا التقارب، من خلال جمع المؤسسات والفاعلين العموميين والخبراء والشركاء الدوليين حول حوار جاد وبنّاء”.