الهدنة تبقي توترات الهند وباكستان

أعلنت الهند وباكستان وقف إطلاق النار في 10 ماي الجاري، لإنهاء صراع عسكري استمر أربعة أيام. وبعدما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف إطلاق النار لأول مرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أكدت حكومتا نيودلهي وإسلام آباد الاتفاق، إلا أنهما اختلفتا إلى حد ما بشأن كيفية التوصل إليه.

وقال الدكتور تشيتيج باجباي، وهو زميل أبحاث أول في برنامج جنوب آسيا وآسيا والمحيط الهادئ في معهد تشاتام هاوس (المعروف رسميًا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية)، في تحليل نشره المعهد، إنّه بينما أكّد ترامب على أهمية دور الولايات المتحدة في التوسط لوقف إطلاق النار، قالت إسلام آباد إن عدة حكومات شاركت في العملية (من بينها المملكة المتحدة وتركيا والسعودية). وفي المقابل، قللت نيودلهي من أهمية دور هذه الأطراف، وهو ما يتماشى مع موقف الهند الثابت منذ عقود باعتبار قضية كشمير شأنًا داخليًا أو ثنائيًا.

ويرى باجباي أن الوضع لا يزال خطيرًا، حيث تم الإعلان عن انتهاكات لوقف إطلاق النار. ولا تزال الدولتان تطبّقان إجراءات عقابية غير عسكرية اتخذها كل طرف عقب الهجوم الإرهابي الذي وقع في 22 أبريل بمدينة باهالجام في كشمير وأودى بحياة 26 مدنيًا. وتشمل هذه الإجراءات تعليق خدمات التأشيرات، إغلاق المجال الجوي، حظر التجارة الثنائية، وإغلاق معبر أتاري-واجاه الحدودي. والأهم، أن معاهدة مياه نهر السند لا تزال معلقة بعدما أوقفت نيودلهي العمل بها.

وأشار باجباي إلى أن وقف إطلاق النار لا يعالج أيًّا من المشكلات الجوهرية في العلاقات الثنائية. وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أشار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى أن الجانبين اتفقا على “بدء محادثات حول مجموعة واسعة من القضايا في موقع محايد”. وقد عقدت بالفعل محادثات بين مسؤولين عسكريين من البلدين يوم 12 ماي، لكن لم يتضح بعد ما إذا كان ذلك سيمهّد الطريق لحوار سياسي جاد.

وقد أعلنت الهند أن المحادثات يمكن أن تتناول فقط قضايا الإرهاب والوضع في الشطر الباكستاني من كشمير، بينما ترغب باكستان في التركيز على استئناف معاهدة مياه نهر السند ووضع الشطر الهندي من الإقليم. وكانت آخر محادثات سلام جوهرية بين الدولتين في إطار “الحوار المركب”، الذي توقف عقب هجمات مومباي سنة 2008.

ويرى باجباي أن غياب الحوار السياسي يجعل السؤال المطروح ليس “هل” بل “متى” ستُستأنف الأعمال العدائية. وذكرت نيودلهي أنها ستعتبر أي هجوم مماثل لهجوم باهالجام بمثابة عمل حربي، بينما قالت إسلام آباد الشيء ذاته بخصوص أي انتهاك لمعاهدة مياه نهر السند.

وفي الأثناء، تشير التوترات الأخيرة إلى أن البلدين يسيران نحو مزيد من التصعيد. فقد تغيرت قواعد الاشتباك، حيث تبنى كل طرف موقفًا عسكريًا أكثر صرامة.

وقال باجباي إن هذا يشمل استهداف البنى التحتية المدنية والعسكرية خارج شطري كشمير، وصولًا إلى أراضي البلدين. ويعكس ذلك أيضًا طبيعة المعدات العسكرية التي استخدمت خلال الأعمال العدائية الأخيرة، بما في ذلك الاستعمال الكثيف للطائرات المسيرة وأول مشاركة للبحرية الهندية في عمليات قتالية منذ حرب 1971.

وقد نفت الحكومتان تقارير تفيد بأن هيئة القيادة النووية الباكستانية عقدت اجتماعًا خلال المواجهات، أو أن القوات الجوية الهندية استهدفت منشأة تخزين نووية باكستانية.

ويرى باجباي أن هذه التقارير تعكس مخاوف حقيقية من حدوث تصعيد نووي. وفي أول خطاب له بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، صرّح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بأن بلاده لن تتسامح بعد الآن مع “الابتزاز النووي”، في إشارة إلى ادعاء نيودلهي بأن إسلام آباد تعتمد على جماعات غير حكومية (إرهابية) لمهاجمة الهند، ظنًّا منها أن ترسانتها النووية ستمنع الهند من الرد.

وقد أكّد وقف إطلاق النار مجددًا دور الولايات المتحدة كوسيط، وإن جاء متأخرًا، وهو ما بدا في تصريحات عدد من مسؤولي إدارة ترامب، من بينهم نائب الرئيس جيه دي فانس الذي قال إن الأعمال العدائية “ليست من شأننا أساسًا”، وكذلك ترامب الذي أشار إلى أن الدولتين ستتوصلان إلى حل “بطريقة أو بأخرى”. وكان ماركو روبيو قد أجرى عدة محادثات مع كبار المسؤولين في الهند وباكستان خلال الأسابيع الأخيرة بهدف خفض التوتر.

كما يعكس دور الوساطة الأمريكي حجم النفوذ الاقتصادي الذي تمارسه واشنطن على الجانبين، إذ تتفاوض الهند على اتفاقية تجارية ثنائية مع الولايات المتحدة لتجنّب رسوم جمركية بنسبة 26%، تم خفضها مؤقتًا إلى 10% لمدة 90 يومًا.

في المقابل، تمرّ باكستان بمرحلة دقيقة ضمن حزمة الإنقاذ رقم 25 من صندوق النقد الدولي. وقد وافق الصندوق على الشريحة التالية من تسهيل الصندوق الممدد، بقيمة 7 مليارات دولار، في اليوم السابق لإعلان اتفاق وقف إطلاق النار. وكانت مجموعة العمل المالي قد أزالت اسم باكستان من “القائمة الرمادية” سنة 2022، وتسعى إسلام آباد إلى تجنب عقوبات اقتصادية جديدة.

وقد صوّرت كل دولة ما قامت به على أنه “نصر”. ورافقت المعركة العسكرية حرب إعلامية، حيث خفّفت كل دولة من خسائرها وضخّمت إنجازاتها.

ففي خطابه، قال مودي إن أكثر من 100 إرهابي قُتلوا في عمليات الجيش الهندي، وأنه تم ضرب “جامعات الإرهاب العالمي”، وهي مزاعم نفتها باكستان. من جهتها، ادّعت باكستان أنها أسقطت عدة طائرات عسكرية هندية، وهو ما لم تؤكده نيودلهي.

واعتبر باجباي أن كل دولة ستستغل فترة الهدوء النسبي لإعادة تقييم مكامن الخلل في منظومتها الردعية وفعالية ترسانتها العسكرية، بما في ذلك المنصات الأجنبية الصنع.

فقد نشرت باكستان أنظمة دفاع جوي صينية، ومقاتلات وصواريخ صينية، ومسيرات تركية. أما الهند، فستقوم بمراجعة فعالية طائراتها المسيرة الإسرائيلية، ومقاتلاتها الفرنسية، ونظام صواريخ أرض–جو روسي الصنع.

ويرى باجباي أن التوترات الأخيرة كانت الأسوأ بين الجانبين منذ حرب 1971. وعلى الرغم من أن حرب كارجيل عام 1999 خلفت عددًا أكبر من القتلى، فإن نطاق المواجهات في الأسبوع الماضي كان أوسع، وامتد إلى ما وراء كشمير ليشمل أراضي الدولتين. كما جاءت هذه المواجهات بعد الاشتباكات الحدودية بين الصين والهند سنة 2020، والتي كانت الأسوأ بين البلدين منذ أكثر من أربعة عقود.

وبالنسبة لباكستان، فقد يكون هذا الصراع قد أعاد جزئيًا صورة الجيش، الذي يستمد جزءًا كبيرًا من شرعيته من عدائه التاريخي للهند. وختم باجباي تحليله بالإشارة إلى أنه تم مؤخرًا تمديد ولاية قائد الجيش عاصم منير من ثلاث إلى خمس سنوات. ويُنظر إلى منير باعتباره أول قائد للجيش في باكستان يتمتع بخلفية إسلامية بارزة، ما يقلل من احتمال تحقيق مصالحة أو تقارب حقيقي بين البلدين في المستقبل القريب.

Exit mobile version