
تحالف السلاح والاستثمار يعيد تشكيل العلاقة بين أميركا ودول الخليج
أبرمت الولايات المتحدة والسعودية، الثلاثاء، صفقة أسلحة ضخمة وصفها البيت الأبيض بأنها “الأكبر في التاريخ”، وذلك ضمن سلسلة اتفاقيات وقّعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض.
ووسط استقبال ملكي حافل في أول زيارة رسمية خلال ولايته الثانية، دخل ترامب قصر اليمامة الملكي الفخم في سيارة رئاسية سوداء يرافقها فرسان يحملون أعلام البلدين. وأُطلقت 21 طلقة مدفعية ترحيبا بالرئيس الأميركي الذي صاحبت مقاتلات “اف-15” سعودية طائرته الرئاسية “اير فورس وان” قبل هبوطها صباح الثلاثاء.
تحت ثريات فخمة، رحّب ترامب بالوعد الذي قدمه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية، باستثمار 600 مليار دولار، ومازح بأن هذا المبلغ يجب أن يصل إلى تريليون دولار.
وقال ترامب للأمير: “لدينا اليوم أكبر قادة الأعمال في العالم، وسيغادرون حاملين شيكات كثيرة”. وأضاف: “في ما يتعلق بالولايات المتحدة، نتحدث عن مليوني وظيفة على الأرجح”.
وأمام عدسات المصورين، تقدم موكبٌ طويل من أفراد العائلة المالكة ورجال الأعمال السعوديين لمصافحة ترامب وولي العهد، والمرافقين لهما، بمن فيهم إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم والمستشار المقرب لترامب، والذي ظهر ببدلة رسمية كاملة في أمر نادر الحدوث.
وإذ تعهدت السعودية بصفقات بقيمة مليارات الدولارات، وقع الزعيمان اتفاقية “شراكة اقتصادية استراتيجية” لم تعلن تفاصيلها على الفور. فيما وقّع وزراء ومسؤولون سعوديون وأميركيون مذكرات تفاهم أخرى في مجالات الدفاع والطاقة.
وفي وقت لاحق، أصدر البيت الأبيض بيانا أكد فيه أن “الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وقّعتا أكبر صفقة مبيعات دفاعية في التاريخ، بقيمة تقارب 142 مليار دولار”، لتزويد المملكة الخليجية “بمعدات قتالية متطورة”.
وأشار أيضا إلى أن شركة “داتا فولت” السعودية “تمضي قدما في خططها لاستثمار 20 مليار دولار في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية للطاقة في الولايات المتحدة”.
ويأتي ذلك غداة إعلان الرياض إطلاق شركة جديدة للذكاء الاصطناعي تحت اسم “هيوماين”، تأمل أنّ تؤدي دورا محوريا في هذا المجال.
وسيلقي ترامب لاحقا خطابا أمام منتدى الاستثمار السعودي الأميركي بحضور وزراء سعوديين ورجال أعمال بارزين من البلدين.
بدأ ترامب من الرياض جولة خليجية تستمر أياما عدة وتشمل الإمارات وقطر.
والجولة التي تستمر حتى 16 ماي، هي الأولى لترامب خارج الولايات المتحدة في ولايته الرئاسية الثانية، علما بأنه قام بزيارة مقتضبة إلى روما لحضور جنازة البابا فرنسيس.
قبل ثماني سنوات، اختار ترامب أيضا السعودية كوجهة لرحلته الخارجية الأولى كرئيس، حيث التقط صورة تذكارية مع بلورة مضيئة وشارك في رقصة بالسيف.
يؤكد قراره مرة أخرى بتجاوز حلفائه الغربيين التقليديين والسفر إلى دول الخليج الغنية بالنفط أهمية دورها الجيو-سياسي المتزايد، بالإضافة إلى علاقاته التجارية المتميزة في المنطقة.
وخلال الأيام التي سبقت الرحلة الخليجية، لعب البيت الأبيض دورا محوريا في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الهند وباكستان، وإفراج حركة حماس عن رهينة إسرائيلي-أميركي في غزة، وعقد جولة أخرى من المحادثات النووية مع إيران.
جاءت هذه المبادرات الدبلوماسية بعد إعلان مفاجئ من ترامب الأسبوع الماضي موافقته على هدنة مع المتمردين الحوثيين في اليمن، بعد نحو شهرين من استهدافهم بغارات جوية شبه يومية.
“صفقات”
ومن المرجح أن ينصبّ التركيز خلال جولته الخليجية على إبرام اتفاقيات تجارية.
وكتب دانيال شابيرو، من مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط، التابعة للمجلس الأطلسي: “أشارت مصادر في البيت الأبيض إلى أن الرئيس سيركز على الصفقات”.
وتابع: “يقصدون بذلك فرصا لزيادة استثمارات هذه الدول الثرية في الولايات المتحدة، وتعميق التنسيق في مجال الذكاء الاصطناعي، وتوسيع التعاون في مجال الطاقة”.
من المتوقع أن تستقبل الرياض والدوحة وأبوظبي الملياردير البالغ 78 عاما استقبالا حافلا باتفاقيات قد تشمل قطاعات الدفاع، الطيران، الطاقة والذكاء الاصطناعي.
ورسّخ قادة دول الخليج مكانتهم كشركاء دبلوماسيين رئيسيين خلال ولاية ترامب الثانية.
ولا تزال الدوحة وسيطا رئيسيا في المفاوضات بين إسرائيل وحماس، بينما توسطت السعودية في المحادثات بشأن الحرب في أوكرانيا.
“كنا رائعين معهم”
وفي الرياض، سيلتقي ترامب أيضا، الأربعاء، بقادة دول مجلس التعاون الخليجي الست: السعودية، والإمارات، والبحرين، وقطر، والكويت، وسلطنة عمان.
وتردد الحديث عن زيارة ترامب إلى المملكة منذ أشهر، حيث تعهد ولي عهد المملكة، وهي أكبر مصدّر للنفط الخام بالعالم، في يناير بضخ 600 مليار دولار في التجارة والاستثمارات الأميركية.
وقال ترامب ردا على العرض: “سأطلب من ولي العهد، وهو رجلٌ رائع، أن يزيد المبلغ إلى حوالي تريليون دولار. أعتقد أنهم سيفعلون ذلك لأننا كنّا رائعين معهم”.
وبحسب مسؤول سعودي مقرّب من وزارة الدفاع، ستسعى الرياض جاهدة للحصول على أحدث طائرات “اف-35” المقاتلة الأميركية، إلى جانب أنظمة دفاع جوي متطورة بقيمة مليارات الدولارات.
وأفاد المصدر وكالة فرانس برس: “سنشترط أن تتم عمليات التسليم خلال فترة ولاية ترامب، وخاصة صواريخ الدفاع الجوي”.
“هدية” مؤقتة
ومن غير المرجح أن تكون جهود دفع السعودية للاعتراف بإسرائيل على رأس جدول أعمال هذه الرحلة؛ إذ باتت الرياض تصر على ضرورة إقامة دولة فلسطينية قبل مناقشة العلاقات مع الدولة العبرية.
ومن المرجح أن تكون إيران محورا رئيسيا خلال هذه الزيارة، عقب جولة رابعة من المحادثات في عُمان، السبت، شهدت إحراز الجانبين تقدما نسبيا.
والأسبوع الماضي، أعلن ترامب أنه “سيتخذ قرارا” بشأن التسمية الرسمية التي ستعتمدها الولايات المتّحدة للخليج، بعدما أفادت تقارير إعلامية بأنّه يعتزم إطلاق اسم “الخليج العربي” أو “خليج العرب” على المسطح المائي الذي تصرّ إيران على تسميته “الخليج الفارسي”.
وقبل وصوله، تصاعد الجدل حول خطط الرئيس لقبول طائرة بوينغ فاخرة من قطر لاستخدامها كطائرة رئاسية.
ورد ترامب على الانتقادات التي تعرّض لها في هذا الصدد بالقول إنّ الطائرة “هدية” مؤقتة وستحلّ محلّ طائرة الرئاسة التي يبلغ عمرها أربعة عقود، واصفا الصفقة بأنها “علنية وشفافة للغاية”.