خارطة طريق التجارة الخارجية .. طموح حكومي يصطدم بالتوقيت والجدوى

رهان حكومي واضح في الثلث الأخير من الولاية الحكومية الجارية نحو تنويع رافعات تنافسية الاقتصاد الوطني، جسدته ثلاثة أهداف استراتيجية معلنةٌ ضمن “خارطة طريق التجارة الخارجية 2025-2027″، المتدارسة خطوطها العريضة خلال اجتماع رفيع المستوى أول أمس الثلاثاء.

الخارطة تستهدف، حسب عرض لكاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية، ثلاثة أهداف استراتيجية رئيسية، متمثلة في إحداث حوالي 76 ألف منصب شغل جديد خلال الفترة المحددة، وتوسيع قاعدة المصدّرين عبر إحداث ما لا يقل عن 400 مقاولة جديدة للتصدير سنويًا، وتحقيق قيمة مضافة إجمالية تُقدّر بـ84 مليار درهم إضافية في مجال التصدير، من خلال “استغلال الإمكانيات الموجودة والاستفادة من تقلبات التجارة الدولية”.

وتفاعلاً مع مضامينها التي لم تخلُ من ستة أوراش إصلاحية، على رأسها تسريع رقمنة التجارة الخارجية، وإحداث مكاتب جهوية لمواكبتها، والترويج لصادرات الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني؛ بما يسهم في “تنويع عرض التصدير المغربي وتثمين المنتجات ذات الحمولة الثقافية والاجتماعية”، ثمّن محللون اقتصاديون، تحدثت إليهم جريدة النهار، أرقاماً “إيجابية” جاء بها التوجه الحكومي المعلن، لكن مع طرحهم تساؤلات تخص “كيفيات التنفيذ” في الآجال المعلنة التي تتجاوز أجل الولاية الحكومية الراهنة، فضلا عن “مدى واقعية” إمكانية خلق مناصب الشغل المتوقعة.

“مواكبة تقنية”

قال إدريس العيساوي، دكتور في علوم الاقتصاد، إن “خارطة الطريق التي وضعتها الحكومة المغربية التي يرأسها عزيز أخنوش تبقى مبادرة جيدة جدًا”.

واعتبر العيساوي، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن “أول ملاحظة هي أنها خطة معلنة مبنية على قرار جعل السنتين المقبلتين، أي 2025 إلى 2027، هي المجال الذي سيتم خلاله وضع هذا المخطط على طاولة التنفيذ”، مردفا أنه “عندما نتحدث عن تنفيذ استراتيجية، فهذا يعني أن المملكة المغربية ستستطيع في الغالب أن تتوصل إلى الإصلاحات الضرورية التي ترغب فيها الحكومة من خلال الرقمنة ومن خلال خلق عدد كاف من الشركات التي تتعامل في مجال التصدير والتعاملات التجارية الخارجية”، وهي “كلها عمليات مهمة”.

ولفت المحلل الاقتصادي إلى أن “الدولة تأخذ على عاتقها ضرورة المواكبة والمرافقة لمسار كل الشركات التي تشتغل بنشاط وفاعلية في مجال التصدير والتجارة الخارجية”، مبرزا أن “هذه المواكبة عليها أن تكون تقنية فنية وقادرة على تخطّي كل الحواجز والعوائق التي قد تُطرح في هذا المضمار”.

ومن ثمة، يستنتج المتحدث لجريدة النهار، فإن “من أهم الإصلاحات التي تعتمدها خارطة طريق التجارة الخارجية، الرقمنة وتسريع وتيرة سيرها وتعميمها على عمل الشركات، خاصة المتوسطة والصغيرة”، خالصا إلى أن “هذه مسألة لا يمكن إلا أن تسترعي كثيراً من الاهتمام بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين مهما كان دورهم وحجم تدخلهم؛ نظرًا لأن الاقتصاد المغربي ستكون له الحظوة في التعامل مع الأسواق الخارجية، وذلك من خلال تجنيد الشركات الصغرى والمتوسطة التي تشكل الهياكل المؤسّسة للنسيج الاقتصادي والصناعي بالمملكة”.

“التوقيت والأثر”

نوّه رشيد ساري، محلل اقتصادي متابع لديناميات الاقتصاد الوطني خاصة في شق التجارة الخارجية، بـما وصفها “أشياء إيجابية تتيحها لنا القراءة الظاهرية للأرقام”، ضاربا المثال بـ”خلق 76 ألف منصب شغل في الفترة ما بين 2025 و2027″ كـ”هدف طموح”.

وقال ساري، ضمن تعليق لجريدة النهار حول مضامين الخارطة المعلنة وأهدافها وأوراشها، إن “الخشية اليوم هي كون إطلاق عدد من الاستراتيجيات والعمليات التي يتم القيام بها تجعل خارطة الطريق وكأنها حملة انتخابية سابقة لأوانها دون أثر فعلي ملموس في الفعل الاقتصادي الواقعي، خاصة مع استمرار استعصاء إشكالية التشغيل على الحلّ واستمرار البطالة بين الشباب خصوصا”، حسب تقديره.

وأشار إلى أن “أصحاب المقاولات الناشئة التي تعمل في مجال الرقمنة لم يجدوا آذانًا صاغية في عدد من المبادرات والبرامج الحكومية السابقة”، معتبرا أن “التوقيت يطرح تساؤلات كثيرة؛ فإذا كانت هناك تطلعات اقتصادية دون هواجس انتخابية، فإنه كان الأجدر أن تبدأ هذه البرامج سنة 2021، وليس اليوم؛ إذ لا يجب أن يكون ذلك وليد اللحظة مع الحديث عن سنة 2027″، متسائلا: “هل التنزيل ستقوم به حكومات قادمة؟”.

وفي تقدير ساري، فإن “الحديث عن مبادرات تدعم المقاولات المتوسطة والصغيرة لكي تلِجَ مجال التجارة الخارجية والتصدير يظل حديثاً مستنزفاً في مجمله”، محذرا من أن “آجال التنفيذ الفعلي لما جاءت به الخارطة من أهداف طموحة ستكون خارج أجندة التسيير الحكومي في الوضعية الراهنة، لا سيما مع ما شهده المعدل الوطني للبطالة من تراجع طفيف خلال الفصل الأول من السنة الجارية؛ إذ انتقل من 13.7 في المائة إلى 13.3 في المائة، أي بناقص 0.4 نقطة”.

Exit mobile version