أفادت مصادر عليمة جريدة النهار بأن إخباريات وتصريحات جديدة بالاشتباه، ذات صبغة جبائية، استنفرت مصالح المراقبة لدى الهيئة الوطنية للمعلومات المالية، بعدما كشفت عن معاملات تجارية مشبوهة ضمن دائرة مغلقة من الشركات، جرى حصرها وتحديد هوية مسيريها، موضحة أن مراقبي الهيئة فتحوا أبحاثا موسعة بشأن معاملات بمبالغ قياسية بين شركات صغيرة ومتوسطة الحجم، لم يتعد تاريخ تأسيس بعضها خمس سنوات، مشددة على أن “تضخيم أرباح” في تصريحات ضريبية عزز شكوك المراقبين بخصوص عمليات تبييض أموال متأتية من أنشطة غير مشروعة، أبرزها الاتجار بالمخدرات والرشاوى.
وأكدت المصادر ذاتها أن الأبحاث الجارية من قبل مراقبي هيئة المعلومات المالية مكنت من التثبت من صورية معاملات تجارية منجزة من قبل الشركات المشتبه فيها، وموثقة بواسطة فواتير ووسائل أداء قانونية (شيكات وتحويلات بنكية)، موضحة أن التدقيق في الأنظمة الأساسية الخاصة بهذه الشركات أظهر نشاطها في قطاعات النسيج والألبسة الجاهزة وتوزيع أكسسوارات الخياطة، والطباعة وبيع الهدايا المؤسساتية، وكذا المخبوزات والشوكولاطة، والحراسة والنظافة، وعدم توفرها على مقرات اجتماعية مادية، واستغلالها خدمات توطين لدى مكاتب محاسبة في الدار البيضاء وطنجة، مبرزة أن الوحدات المذكورة حرصت على وضع تصريحاتها الضريبية داخل الآجال القانونية، واستغلال ثغرات في نظام الرقابة الجبائية، حيث لا يثير “تضخيم” الأرباح درجة الشك نفسها التي يثيرها تقليصها.
وكشفت المصادر ذاتها توقف المراقبين عند تدفق مبالغ ضخمة من الأموال في الحسابات الجارية للشركاء (Comptes courants d’associés) بالشركات المذكورة، في محاولة لإدماج ملايين الدراهم داخل الدورة الاقتصادية عبر إطارات قانونية منظمة (شركات) ومعاملات تجارية صورية، مؤكدة أن المعطيات الأولية عن الأبحاث الجارية خلصت إلى محاولة مسيري الشركات، الذين ثبت عدم امتهان عدد منهم للتجارة أو تسيير المقاولات خلال فترة سابقة، تضليل المنظومة المعلوماتية لإدارة الضرائب، التي تركز بشكل خاص على التلاعب في التصريحات بغرض تقليص الأرباح للتهرب من دفع الضرائب، في حين لا يحظى تضخيم الأرباح بالاهتمام نفسه؛ وهو ما دفع متورطين في تبييض أموال المخدرات إلى إنشاء شركات لضخ هذه الأموال في ماليتها، وشرعنتها بعد أداء الضرائب المستحقة عليها.
وأحالت الهيئة الوطنية للمعلومات المالية ما مجموعه 71 ملفا على وكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية بكل من الرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش، وكذا على الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط، بخصوص غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فيما أكدت الهيئة في تقريرها السنوي برسم 2023 ارتفاع عدد الملفات المحالة على النيابة العامة بنسبة 31.48 في المائة، علما أن الملفات المرتبطة بأفعال التزوير أو تزييف الكشوفات البنكية أو وسائل الأداء أو وثائق أخرى مثلت ما نسبته 38 في المائة من القضايا المحالة على المحاكم الابتدائية المختصة، والنسبة نفسها فيما يخص حالات النصب والاحتيال، مع ظهور تصنيفات أخرى تتعلق بغسل الأموال، بما في ذلك الرهان الرياضي والبيع الهرمي والعملات المشفرة.
وامتدت أبحاث مراقبي الهيئة الوطنية للمعلومات المالية، حسب مصادر جريدة النهار، إلى ارتباطات مشبوهة للمقاولات موضوع التدقيق مع بنكيين ومحاسبين، سهلت إخفاء عملياتهم عبر البنوك عن رادار المراقبة والتدابير الاحترازية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مؤكدة أن التدقيق بشأن الوضعية الجبائية للمقاولات موضوع الأبحاث الجارية أظهر امتثالا ضريبيا كاملا من حيث أداء الضريبة على الشركات وتحويل مبالغ الضريبة على القيمة المضافة بشكل متواصل، ما عزز شكوك المراقبين بشأنها، بالنظر إلى حالة الأسواق وأوضاع شركات منافسة في المجال التجاري ذاته.